تتزايد ضرورة المناطق الآمنة التي تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته إنشاءها في سوريا، هنالك حيث تسببت الحرب بلجوء 5 ملايين شخص، ونزوح 7 ملايين آخرين، ومن شأن تلك المناطق أن تعيد بارقة أمل بسيط للسوريين في حياة أفضل، وفقاً لما يرى “هاميش دي بيترون” الذي يعمل مستشاراً في منظمة خيرية طبية دولية تمارس أعمالها في سوريا.
ويشير “هاميش” في مقال نشره بصحيفة “الغارديان” البريطانية، إلى ما يمكن أن يتحقق من أمور إيجابية للسوريين فيما لو أصبحت لديهم مناطق آمنة، بدءاً من حمايتهم من قصف النظام، مروراً بحصولهم على الخدمات، أبرزها التعليم، ويبدي الكاتب تفاؤلاً بنية الرئيس الأميركي والجهود التي بذلت في أستانا لوقف إطلاق النار في سوريا.
نص المقال:
دفعت ويلات الأزمة السورية حوالي 5 ملايين شخص إلى خارج البلاد، وتسبَّبت في نزوح 7 ملايين آخرين داخلياً. وإن لم يتم إيقاف هذا الرحيل الجماعي، سيُحكَم على سوريا باضمحلال نهائي لا رجوع فيه.
ولكن برزت بعض بوارق الأمل خلال الأسبوع الماضي، إذ يجري التفاوض في أستانا، عاصمة كازاخستان، على وقف إطلاق النار، ويؤيد دونالد ترامب خلق مناطق آمنة داخل سوريا. قد يكون هذا مهماً في إعادة تعمير تلك الأرض المُدمَّرة وإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية سريعاً.
يقر مفهوم المناطق الإنسانية الآمنة بأنَّ الأغلبية العظمى من السوريين تود البقاء في وطنها أو العودة إليه، إذا تحرَّر من الطغيان النظام.
قد يكون تأييد ترامب محورياً في حَمل سوريا وإيران على الموافقة على هذا المنهج. تقترح روسيا، كما هو متوقَّع، اتِّخاذ الحذر، ولكنَّها لا ترفض الفكرة.
سيكون تنفيذ مخطط تجريبي في شمال غرب سوريا الطريقة الأفضل لبدء العملية، وستقع المنطقة المبدئية بين كلٍّ من كلس وريحانلي في تركيا، وحلب وإدلب. وإذا نجح المخطط، يمكن تكرار النموذج في الجنوب على الحدود مع الأردن قبل التوسُّع إلى مناطق أخرى فور تحرُّرها من قبضة “داعش”.
المنطقة الأولى، ومساحتها حوالي 1500 كم مربَّع، خالية حالياً من قوات نظام الأسد و”داعش”، وتبعد عن المواقع الروسية الرئيسية في سوريا مثل اللاذقية وطرطوس. ويسيطر عليها بشكل أساسي الجيش السوري الحر ومجموعات معتدلة، ويقطنها حوالي 500,000 لاجئ، يعيشون في فقرٍ مدقع في المخيمات قرب الحدود. ويمكن توسيع هذه المخيمات وتحسينها مع تدفُّق الطعام والمياه والكهرباء من المنظمات غير الحكومية العديدة المتمركزة بالقرب في تركيا.
سيحصل الأطفال الذين لم يحالفهم الحظ ليذهبوا إلى المدارس القليلة العاملة، كتلك التي تديرها منظمة إغاثة سوريا الخيرية، على فرصة التعليم ثانيةً.
وتدير المنظمة الخيرية الطبية الدولية التي أعمل بها مستشاراً للأمن والدفاع الكيميائي، وهي اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية (UOSSM)، عدداً من العيادات والمستشفيات الفعالة في المنطقة، وتستعد لزيادة جهودها إذا تحقَّق مفهوم المناطق الآمنة.
يعاني حوالي 75% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً في هذه المنطقة من اضطراب ما بعد الصدمة، ويحتاجون إلى المساعدة العاجلة. لقد عالج مستشفانا الرئيسي في باب الهوى، عند الحدود مع تركيا، قرب ريحانلي، العديد من أصعب الحالات من شرق حلب، ويواصل معالجتهم، ولكنَّه يفتقر إلى بعض المعدات والأدوية الضرورية.
كي يكون اسم المنطقة الآمنة على مُسمَّى، على نظام الأسد التوقُّف عن إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين دون تمييز.
حتى مع استمرار وقف إطلاق النيران، ما زالت أماكن مثل وادي بردى وشرق الغوطة تتعرَّض للهجوم. والأمر الأسوأ هو استمرار الأسد في إلقاء البراميل المتفجرة الكلورية (الكيميائية).
وكما قال أطباء اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية “يمكننا الاختباء من القنابل والرصاص، ولكن لا يمكننا الاختباء من الغاز”. صرَّح ترامب بأنَّه لم يكُن ليسمح بتخلِّي الولايات المتحدة عن تهديدها بالتدخُّل في سوريا في حال استخدام الأسلحة الكيميائية، وأنا شخصياً آمل أن يقول قريباً إنه قد رسم “الخط الأحمر” ثانيةً.
قد تعزِّز السفن البريطانية أو الأميركية في شرق البحر المتوسط أمن أول منطقة آمنة. قد تبطل صواريخهم وراداراتهم الحاجة إلى أن تحلِّق طائرات التحالف في المجال الجوي “السوري” و”الروسي”، والذي تحميه أسلحة مضادة للطائرات.
ينبغي أن يراقب الأمنَ على الأرض مراقبو الأمم المتحدة، الذين أثبتوا فعاليتهم في شرق حلب. يمكن أن تدعمهم الميليشيات المعتدلة التي تعمل بالفعل في المنطقة، إضافةً إلى خبراء التحالف، وبالطبع القوات التركية أو قوات الناتو أو الأمم المتحدة.
ينبغي السماح للمساعدات الإنسانية بالتدفُّق إلى داخل المنطقة بأسرع ما يمكن، إلى جانب الموارد اللازمة لبناء المساكن ومكونات البنية التحتية الضرورية الأخرى وإصلاحها. لقد خزَّنت العديد من المنظمات غير الحكومية معدات على الجانب التركي من الحدود من أجل هذه الاحتمال.
سيكون إدخال هذه المساعدات عبر معبرين فقط في ريحانلي وكلس، على طرقٍ سيئة، أمراً شديد الصعوبة، ولكن يمكن تحقيقه بالتنسيق والطاقة. لقد أثبت اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية أنَّ بإمكانه خدمة المنشآت الطبية في أنحاء المنطقة، ونموذجه في التوظيف المحلِّي للأطباء والشبكات اللوجستية، بتمويلٍ من المتبرِّعين الدوليين، جدير باتِّباعه، أو على الأقل التعلُّم منه.
سيحتاج إنجاح المناطق الآمنة كفاحاً، وسينبغي على كلٍّ من تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة والأمم المتحدة أن يلعب دوره. ولكن مهما كان الثمن كبيراً، سيظل أقل من توطين ملايين النازحين السوريين والسماح بانهيار هذه الأمة التي كانت عظيمة يوماً ما.
توجد أسبابٌ للتفاؤل. لقد أنتجت المحادثات في أستانا ما يبدو وكأنَّه وقف إطلاق نيران، ومن المقرر أن يتحدَّث الرئيسان ترامب وبوتين في نهاية الأسبوع، وستزور تيريزا ماي تركيا غداً، وتبدو متحمِّسة لتقديم موارد المملكة المتحدة ومهاراتها المتواضعة للنزعة الإنسانية “القوية” اللازمة كي تبدأ سوريا في الوقوف على قدميها ثانيةً. لنأمل ألَّا يفوِّتوا الفرصة العابرة في فعل بعض الخير.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ترجمة:هافينغتون بوست عربي