قالت مراجع خليجية إن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو تهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي مع روسيا والارتقاء به إلى تحالف مصالح سياسية واقتصادية في ضوء الدور الذي تلعبه موسكو في المنطقة، وفي ضوء استراتيجية الرياض الهادفة إلى لعب دور أكبر في الملفات الإقليمية.
وأشارت إلى أن زيارة الملك سلمان إلى روسيا سيكون محورها عمليات ترتيب الأوراق في المنطقة على ضوء تطورات الوضع في سوريا ومرحلة ما بعد الحرب على داعش، خاصة أن روسيا طرف قوي وسبق وأن قدمت نفسها كبديل تهدئة في المنطقة من دون مطامع وأهداف سياسية مستقبلية.
ولفتت المراجع الخليجية إلى أن مؤشرات التعاون الوثيق بين الرياض وموسكو لا تمنع من أن تطلق الزيارة حزمة من الأسئلة عما تخطط له موسكو، وهل ستتعاون مع دول الاعتدال في المنطقة أم ستستمر بتحالفها الظرفي مع إيران.
ويرى متابعون للشأن الخليجي أن السعودية، ومنذ اعتلاء الملك سلمان العرش في 2015 تحولت إلى دولة براغماتية تكيف دبلوماسيتها واستثماراتها على ضوء مصالحها القومية، ولكنها بالتوازي، يمكن أن تتحول إلى خصم عنيد ضد أي تحالفات يمكن أن تهدد أمنها مثلما يجري في اليمن وفي الموقف من التحالف المغشوش بين إيران وقطر.
ويعتبر المتابعون أن عنوان زيارة العاهل السعودي لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون البحث عن مسار تعاون استراتيجي روسي سعودي ينتهي إلى تحييد إيران ومنعها من إغراق المنطقة في صراعات طائفية وعرقية للسيطرة على دول مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان. وتمتلك السعودية في تحركها نحو روسيا عمقا خليجيا وعربيا يمكن أن يقدم لروسيا فرصا أوسع للتعاون والاستثمارات والصفقات بما يجعلها تعيد النظر في التحالف الحالي مع إيران في سوريا على وجه الخصوص. ويضاف إلى ذلك كله ورقة النفط وحاجة روسيا إلى تعاون وثيق مع المملكة للتوصل إلى اتفاق يمكّن من التحكم في السوق ويمنع تدني الأسعار.
ويعتقد على نطاق واسع أن القيادة الروسية التي تميزت مواقفها بالبراغماتية يمكن أن تعيد تقييم الموقف من إيران في ضوء الفارق في الفرص بين ما تقدمه طهران وما تقدمه عواصم خليجية أو عربية. وربما تكون إيران قد أفادت روسيا في زمن الحرب في سوريا لوجود ميليشيات تابعة لها، لكنها لا تستطيع أن تقدم لها أي شيء في وقت السلم، وعلى العكس ستسعى لمنافستها بشكل خفي وإرباك خططها.
لكن السعودية يمكن أن تدعم خطط روسيا لإنجاح خيار السلم في سوريا سواء عبر مجموعات سورية معتدلة وبراغماتية حليفة لها، أو عن طريق مشاريع إعادة الإعمار، فضلا عن أن السعودية تستطيع أن تشكل حلفا عربيا وإسلاميا قويا داعما لاستقرار سوريا بفعل دورها وتأثيرها.
ويقول محللون وخبراء استراتيجيون إن القيادة السعودية يمكن أن تنجح خلال زيارة موسكو في توسيع الهوة بين إيران وروسيا التي لم يخف مسؤولون فيها أكثر من مرة قلقهم من المجاميع العسكرية الموالية لطهران في سوريا وإن استخدمتهم في خطتها لطرد التنظيمات المتشددة، وفرض واقع جديد في المنطقة.
ويشير هؤلاء إلى أن خطط إيجاد مناطق لخفض التوتر هدفها تفكيك التنظيمات المتشددة وتدريب المدن والمناطق السورية على الحل السياسي التوافقي تحت رقابة الدول الضامنة، وهو ما يعني عمليا انتفاء الحاجة لوجود ميليشيات حزب الله اللبناني أو كتائب عصائب أهل الحق العراقية وغيرها من المجاميع التي دفعت بها إيران للسيطرة على سوريا، ما يجعل الروس في حل من أي التزام تجاهها وربما الدعوة إلى مغادرتها سوريا.
ووصف الكاتب السياسي السعودي عوض الفياض الزيارة بـ”التاريخية” لامتلاكها خصوصية كبيرة، لكون الملك سلمان أول عاهل سعودي على سدة الحكم يزور روسيا زيارة دولة.
واعتبر الفياض في تصريح لـ”العرب” دلالة الزيارة بأنها ستكون مؤشرا واضحا على أن تغيرات هائلة تدور في المنطقة وفي السياسة السعودية التي تزداد استقلاليتها عاما بعد عام.
وعبر عن اعتقاده بأن الرياض أدركت أن الوقت قد حان لفهم الساحة الروسية والتواصل مع المؤسسات المتواجدة فيها، لصنع أرضية مشتركة بين البلدين في قضايا المنطقة، فليس من صالح السعودية ترك علاقات روسيا الاقتصادية مع دول معينة في المنطقة يمكن أن تؤثر جيواستراتيجيا على مصالح السعودية.
وقال “السعودية لديها القدرة على إعادة تموضع روسيا في ملفات كثيرة منها الملف اليمني، ولا يمكن لها أن تتجاهل الدور الروسي في سوريا”.
ولا تخفي روسيا رغبتها في وجود دور عربي بارز في سوريا، وهو أمر تم بحثه خلال زيارات متعددة لمسؤولين خليجيين وعرب بارزين إلى موسكو بينهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما يعني أن فرص الاستئثار بمرحلة ما بعد الخيار العسكري في سوريا أمر ممكن، خاصة أنه لا يتعارض مع رغبة روسيا في الانسحاب بعد فرض واقع جديد لا يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وكان ولي العهد السعودي قد زار موسكو أواخر مايو الماضي والتقى الرئيس الروسي وفتح معه العديد من الملفات بما في ذلك ملف التعاون متعدد الأوجه.
ويلفت الخبراء والمحللون إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن موسكو تسعى إلى بناء تحالف أوثق مع الرياض في سياق مساعي الرئيس بوتين للتأسيس لدور روسي قوي في الشرق الأوسط على حساب الدور التقليدي للولايات المتحدة التي فقدت تأثيرها بفعل سياسات الرئيس السابق باراك أوباما.
وتقول أوساط أميركية نافذة إن على واشنطن أن تنظر بقلق إلى هذه الزيارة لأن تردد الرئيس دونالد ترامب في تجاوز الأخطاء الاستراتيجية لسلفه يمكن أن يؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر بعلاقات واشنطن مع دول الخليج وبمركزها في المنطقة.
العرب