عالمهم وردي تملؤه الأحلام السعيدة بمستقبل مشرق واعد يحمل في طياته الكثير من الأمنيات الجميلة استفاقوا من أحلامهم على واقع مؤلم ليشاهدوا طفولتهم وهي تغتال وتسرق منهم فتنسى ثغورهم الابتسام ويختطف الفرح من عيونهم بأياد آثمة، ولكن تبقى عيونهم بريئة يقهرها دمع أحرق مقلهم إنهم أطفال سوريا!
لم يجدوا من يكفكف دموعهم أو يتداركهم بل وقف العالم بأسره متفرجا لما يحدث لأطفال سوريا وامعنوا بالنظر إلى معاناتهم فما كان من هؤلاء الأطفال إلا أن لملموا جراحهم ونسوا ما يسمى بالطفولة لتتحول تلك الأجسام الصغيرة لكهول وتلك العقول المليئة بعواطف الحنان تتحلى بحكمة الشيوخ..
ليجتازوا واقعا فرض عليهم فهل تستطيع هذه الأجسام الضعيفة الصمود في وجه ما هو مخبأ لها من ويلات آالام؟!
يعاني الأطفال ما يعانيه الكبار بل بأضعاف مضاعفة فعقولهم صغيرة وإن حاولوا تنضيجها فهل يستطيع الأطفال أن يحتملوا فكرة حرمانهم من المدرسة التي أحبوها وجعلوها بيتا ثانيا لهم ليحلموا بذلك من أبسط حقوقهم فقط لأن مدارسهم دمرت من نظام فاشي أو استهدفت وتم استهدافهم معها ليتركوا مدارسهم لتكون آخر حلقة في سلسلة طفولتهم لتبدأ أيام عذاب أخرى أشد مرارة وقسوة ..
فالظروف القاسية التي يعاني منها المجتمع والفقر المدقع الذي ألم بكافة الأسر والعائلات تفرض على الأهل عدة احتمالات، أبسطها زج الأبناء إلى العمل مهما كان ذلك العمل قاسيا لا يتناسب مع بنية الطفل أو قدرته على التحمل ليساعد أهله ولو بالقليل في أعباء الحياة ويتعدى الأمر بشاعة عندما نشاهد أحد الأطفال وهو يستجدي المارة بشراء علبة محارم أو قطعة بسكويت ليخبئ تسوله بطريقة البيع تلك عن طريق بيع علب المحارم أو البسكويت أو مسح السيارات وغيرها من الأعمال المسماة تحت اسم التشرد..
وقد أصبحت الآن حالة عامة أو ظاهرة اجتماعية لا تقتصر على أطفال سوريا في الداخل بل تتجاوزهم الى خارج حدود الوطن في المخيمات فيحتملوا عبء التشرد والنزوح والتهجير في مخيمات انعدمت فيها أدنى شروط الحياة خاصة ونحن على أعتاب شتاء آت، لم تقف نتائج الأزمة عند هذا الحد بل عصفت بتلك الأجسام الناعمة إلى استغلال التنظيمات المتطرفة لهم وتجنيبدهم وزجهم في حرب ومحاولة زرع أفكار متشددة في هذه الأدمغة الطفولية فيصبحوا عبئا آخر يواجهه المجتمع والأهل وهذا ما يقوم به المسلحون من تجنيد الأطفال ليكونوا وقودا للحرب الدائرة وهذا يظهر أن الطرفين وجهان لعملة واحدة هدفها تدمير البنية الأساسية لهذا المجتمع.
فشباب المستقبل إما متطرفون أو قضت عليهم الحرب فيصبحوا نبتة ذابلة لا خير فيها.. هذه هي نتائج الحرب الظاهرة للجميع.
أما ما يتعلق بالنتائج النفسية فهي أكثر قسوة وإيلاما فهم يواجهن خطر الجهل والعزلة والضياع أمام مصير مجهول خاصة أنها أكثر عرضة للصدمات وما يواجهونه من قلق وحزن وخوف تؤثر في نموهم النفسي، فكم من طفل ينام وصوت القصف لا يغادر سمعه وذاك الطفل يغمض عينيه كي يتناسى المناظر المؤلمة من قتل وتدمير أو يرى موت أحد المقربين يقتل أمامه بدم بارد وكثير هم الأطفال الذين يفرون هاربين لا يعلمون الى أين إذا سمعوا صوت هدير الطائرات.
لقد أفرزت الحرب جيلا يصنف جميع أنواع السلاح الذي يقتلون به من نظام غادر وعالم مجنون لتفتك بأهلهم وأحبتهم فأطفالنا يموتون كل يوم وكل لحظة مع كل رصاصة تطلق يموتون في عرض البحر و تحت الانقاض وبالتفجيرات.
فهل تصل أصداء موتهم إلى العالم الذي لا يستطيع انقاذ بعض من طفولتهم والتي لا يساهم حتى بإيجاد حلول مخففة عنهم إلا وجود بعض المنظمات الإنسانية والتي أقرت بوجود مراكز الدعم النفسي والتي كان لها أثر ضاهر في التخفيف عن الأطفال.. أما واجب الاهل فيكون باحتضان هؤلاء الأطفال وحمايتهم.. ويجب على المجتمع تسخير برامج تعليمية وايجاد بعض الأعمال التي من شأنها إعادة الثقة للطفل لينهض من جديد وإقامة دورات للأهل في الارشاد النفسي ليصبح الطفل محاطا برعاية كاملة، لربما استطاع بمرونته ان يتخلص من بعض ما مر به من ويلات و آلام.
سيرين الحوراني – المركز الصحفي السوري