لم يكن أكثر المسؤولين الأتراك تفاؤلاً، يعتقد بأن ملف اللاجئين السوريين الذي فتحته تركيا في بداية الأزمة السورية، من أجل تمهيد أرضية إنسانية وسياسية للتدخل العسكري والضغط للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، انقلب بعد فشل تلك الجهود إلى معضلة أثقلت كاهل الاقتصاد والسياسة التركيين، أن يتحول إلى ورقة رابحة جعلت الاتحاد الأوروبي الذي قهر تركيا مراراً بإغلاق بابه في وجهها، يتودد ويطلب مساعدة تركيا ويقدمه على رضى وتطلعات بعض الدول الأعضاء فيه.
ويبدو أن أنقرة التي فشلت في استغلال ملف اللاجئين للضغط على الغرب من أجل إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، باتت الآن معنية بالشق الاقتصادي والمكاسب الأوروبية التي يمكن أن تجنيها منه.
والملف الذي فُتح تحت باب الإنسانية تحول إلى صفقة سياسية واقتصادية مفيدة لتركيا، ستُسهل بموجبها دخول مواطنيها إلى دول اتفاقية شنغن، وتحصل في المقابل على نحو 6 بلايين يورو خلال عامين لتحسين ظروف إقامة اللاجئين ورعايتهم. كما ستفتح فصولاً جديدة من المفاوضات المجمدة على عضويتها في الاتحاد، متجاوزة بذلك الفيتو القبرصي.
ومع الأخذ في الاعتبار أن 85 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا يعيشون خارج المخيمات ويعتمدون على أنفسهم وقليل من المساعدات للإعاشة، فإن مبلغ الستة بلايين سيفيض بكثير عن تلبية احتياجات الـ15 في المئة (حوالى 300 ألف) وقد يزيد عددهم ليصل إلى نصف مليون عام 2018.
كما أن وجود 3 ملايين لاجئ في جنوب تركيا سيعزز من سيناريوات توطينهم في حال طال عمر الأزمة السورية، وهو أمر لا يزعج الرئيس رجب طيب أردوغان الذي سيضمن بهم أصواتاً جديدة لحزبه الذي لا يعرف السوريون غيره، وسيكون عنصراً مهما لتغيير التركيبة الديموغرافية في جنوب تركيا لكسر احتكار الأكراد لها والوقوف أمام أي مشروع فيديرالي مستقبلي هناك. وقد يتحول هؤلاء «اللاجئين – المواطنين» مستقبلاً إلى جسر مهم بين تركيا وسورية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبوابة على العالم العربي أجمع، يعزز فلسفة «العثمانية الجديدة» التي تتبناها حكومة «العدالة والتنمية».
ويقول الكاتب التركي أحمد هاكان: «من المؤسف أن كل مواطن تركي سيستطيع السفر بحرية إلى أوروبا هذا الصيف بفضل الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، لا بد أن يشعر بأن حرية التجول في أوروبا جاءت على حساب حرمان لاجئ سوري منها، وأن تصريحات المسؤولين الأتراك حول التفاوض القوي مع أوروبا على هذا الاتفاق حوله إلى صفقة وأفقده الطابع الإنساني».
وهناك من يأمل في أن يعيد الاتفاق الحياة من جديد إلى مشروع الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي ولو بطريق غير مباشر. بينما يخشى آخرون أن يثبت الاتفاق توجه تركيا نحو الشرق الأوسط بعد زرع ملايين اللاجئين على أرضها وتحولها إلى مخيم كبير أو شبكة أمان أولى أمام اللاجئين والمهاجرين إلى الحلم الأوروبي.
يوسف الشريف – الحياة