تحكي روايات السوريات المعتقلات في سجون النظام معاناة لا تنتهي مع إطلاق سراحهن، فالمعتقلة المفرج عنها يصبح جلّ أمانيها أن ينسى المجتمع وضعها السابق، ولكن الطلاق والإقصاء من دائرتها المقربة يصبح أقسى من عذابها وأنينها وما تعرضت له داخل زنازين موصدة بجلافة سجان ألف إذلال من خرج طالبا الحرية.
وتداعيات الاعتقال على المرأة السورية اجتماعيا وأسريا كثيرة، مما يتسبب لها في وحدة قسرية فور دخولها منزلها، إذ تخشى الحديث عما جرى معها وماذا تتوقع في الأيام القادمة، وسط غياب المنظمات التي من المفترض أن تقدم لها دعما نفسيا تحتاجه بشدة.
ويلجأ بعض أهالي المعتقلات إلى إبعادهن عن المحيط القريب إلى خارج البلاد بسبب ضغوطات أمنية وأخرى من محيط الأسرة، مما يعرض الفتاة لنوع جديد من انتهاك حقوقها.
طالبة حرية
ليلى كريم، إحدى هؤلاء “المبعدات” التي اعتقلها النظام على خلفية مشاركتها في المظاهرات، تقول “أُجبرت على السفر وحدي خارج سوريا بسبب خوف أهلي من اعتقالي مجددا، ومن نظرة أقاربي، فلجأت إلى تركيا لأجد نفسي وحيدة دون معين أو مصدر رزق، مما زاد حنقي وغضبي من أقاربي الذين نبذوني وكأني مجرمة لا طالبة حق وحرية”.
حال نور التي لم تغادر سوريا ليست أفضل من ليلى، فهي -كما تقول- شعرت بالعزلة التامة بعد خروجها من سجن “سعسع” في دمشق ولم تعد تتحمل نظرات استثقال وجودها في بيت أهلها، حتى خرجت لتعيش في بيت عمتها في لبنان حاملة معها إثم اعتقالها بتهمة التخابر مع الثوار، على حد وصفها.
وفي إحدى خيام اللجوء في لبنان، جلست كريمة بتثاقل في خيمتها مسبلة دموعها، تروي للجزيرة نت ما مرت به خلال اعتقالها.
تقول كريمة “شيئان حاضران في ذهني وزائران لي في حلمي بعد تجربة اعتقالي: كرسي التعذيب الألماني وتهديد رئيس الفرع وعناصره باغتصابي، نجوت بأعجوبة من تهديده بعد الإفراج عني.. أستيقظ كل يوم على صوت صراخي وأنا فزعة ولا يسكتني إلا حضن جارتي بالخيمة التي تهرع إلي لتخفف وجعا لا أراه يزول في مكاني هذا، بعيدة عن وطني وأهلي وصديقاتي وجامعتي”.
وكان تقرير صادر عن الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان أشار إلى أن المعاناة تستمر مع المعتقلة السورية بعد خروجها من السجن، والتي تتمثل بالطلاق والفصل عن العمل وفصلها من المؤسسات التعليمية المنتسبة إليها إن كانت تدرس، بالإضافة للنظرة الدونية من المجتمع.
خط فاصل
الحقوقية سيما نصار، عضو مشارك بتوثيق تقرير الشبكة، ترى أن النظام باعتقاله الفتاة يكون قد وضع خطا فاصلا بين ماضيها ومستقبلها الآتي في حال إطلاق سراحها.
وتضيف أنها تعاملت مع معتقلات كثر تعرضن للفصل من الوظيفة الحكومية بحجة غيابهن غير المبرر، أما المؤسسات الخاصة فتفصلهن فورا خوفا من تهمة مساندة الإرهاب عبر توظيف “إرهابية سابقة” بحسب نظرهم.
وتواصل أن هذه التجاوزات في حقوق المرأة يغذيها مجتمع لا يفرق بين من سجينة بتهمة سياسية وأخرى جنائية، وبناء عليه وثق التقرير أكثر من ثلاثين حالة طلاق في سجن عدرا لمجرد علم أهل الزوج بخبر الاعتقال.
وتبدي الحقوقية أسفها على طريقة تعامل المجتمع مع المعتقلة، مضيفة أن ما تعانيه داخل السجون من تعذيب نفسي وجسدي يجعل منها شخصية لا تستطيع التكيف أصلا مع محيطها الخارجي، خاصة إذا استخدمت ورقة ضغط من قبل النظام على أقاربها المنتمين للمعارضة المسلحة فيغتصبها عناصر الأمن داخل السجن مرارا، ولدى خروجها تكون بحاجة للملمة ذاتها بمعونة المقربين، ولكن هذا ما تفقده في مجتمعها، فتنبذ بعيدا لدرجة أن البعض يرى في موتها راحة لها.
المصدر : الجزيرة