تشهد الأزمة السورية خلال الأيام الأخيرة تطورات ميدانية بالغة الخطورة وشديدة الحساسية كتقدم ملحوظ على جبهات عدة، خاصة جبهة فتح حلب، ما يمكنها أن تغيّر توازنات القوى على الأرض السورية خلال الأيام القادمة.. أو تسريبات حول حركة تكتلات كبرى بين عدد من الفصائل، وهذا مناط بحثنا الآن.
ما يمكن أن يرسم عدداً غير قليل من إشارات الاستفهام، ويخلق عددا أكبر من الآمال والوعود بتحقيقها هو تلك التسريبات من هنا وهناك حول وجود اجتماعات ومشاورات متعددة لاندماج الفصائل المقاتلة تحت مسمى واحد أو مسميين اثنين لا أكثر، بحسب مصدر مقرب من غرفة العمليات المشتركة في حلب طلب عدم ذكر اسمه.
فمن الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة هي تسريبات حول اندماج مجموعة من الفصائل التابعة للجيش الحر، خاصة الفرقة الشمالية والفرقة 13 وصقور الجبل .. هذه التسريبات لم تعد مجرد همسا وبوحا في الخفاء بل طفت إلى السطح حتى على صفحات مختلفة للتواصل الاجتماعي؛ على شكل عبارات شكر وتمجيد لقائد الفرقة الشمالية المقدم “فارس البيوش” أو عبارات الامتنان لقائد الفرقة 13 “أحمد سعود”؛ لأنهما اختارا التنازل عن قيادتهما لفرقتيهما والقبول بالانضمام في جسم موحد، علما أنها من أكبر الفرق وأكثرها قوة وأكبرها دعما من الخارج إضافة لتماسكهما بل إنهما الأكثر تماسكا في جسم الجيش الحر في الشمال السوري.
أما فصيل صقور الجبل فلم نلحظ منه أي تعليق أو تسريب، إنما اكتفى بالمراقبة، فكأن هناك تواطؤاً ما حول تسليم جسم المكوّن الجديد لقيادة صقور الجبل، وقد تكون هذه خطوة أولى لتكتلات واندماجات أكثر أهمية كدخول جيش النصر وجيش التحرير- الابن البار لغرفة عمليات “الموك”- للشكل الجديد الذي سيغدو عليه الجيش الحر.
ولسنا في صدد الأولوية أو الأحقية إنما في إمكانية تطبيق هذه الفكرة وإمكانية وجود جسم جديد للجيش الحر بقيادة واحدة، لكن رغم ذلك لا بدّ من التساؤل حول هذه المبادرة التي تظهر للعامة خيّرة بأكملها.
لماذا الآن؟ ولماذا فقط في الشمال السوري؟ ولماذا كان توقيت هذه المبادرة في ظل التطورات المتسارعة سواء على جبهة حلب أم على الساحة الشرقية الحسكة تحديدا – وقد دخلت القامشلي اليوم مسرح الأحداث؟- والأهم لماذا تتركز هذه التشكيلة بين فرق تابعة بالدرجة الأولى لغرفة “الموك” غرفة العمليات المشتركة في الأردن؟ هل هي مجرد استسلام للضغط المباشر من الغرفة بأن على تشكيلات الجيش الحر التابعة لها أن تتوحد أو سيتوقف الدعم أم هي عملية وطنية بحتة نابعة من فهم مستقبل المنطقة وضرورة وجود جيش حر وطني موحد قادر على حمل أعباء المرحلة القادمة؟
ننتقل إلى واقعة مشابهة إذ انتشر على كثير من مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية تسجيل صوتي لـ”عبدالله المحيسني” القاضي الشرعي لجبهة النصرة والقائد الميداني في غرفة فتح حلب الجناح الأكثر بروزا في جبهة تحرير حلب، إذ كان مفاد التسجيل والخبر المبني عليه “أن القاضي المحيسني وكل من يتبع له لن يبقى وحيدا، وقريبا سيعلن بيعته لأحد الأطراف”، السؤال الأهم هو في بنية التصريح: لماذا أصرّ المحيسني على لفظة “بيعة” وليس اندماجا أو اتحادا أو تنازلا أو تكتلا؟ وهل يعتبر نفسه فصيلا صغيرا سينضم لفصيل أكبر؟ ما مكوناته؟ ما ارتباطاته؟ ما توجهاته؟ والهم ما مستقبله؟
هذا يشير بلا شك إلى أن القاضي المحيسني يشير للانضواء تحت جناح إسلامي لكن ما الجناح الإسلامي الأكبر الذي سيبايعه المحيسني؟ وهل هناك مبايعات أو تكتلات أخرى في هذا الجانب؟
تكهنات تشير إلى احتمال مبايعته “جبهة فتح الشام” بعد أن تهيأ لها فرصة الاستقلال عن جهات خارجية ويُقصد بها تماما “القاعدة”، أي بعد فك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة وتحولها لفصيل عسكري مستقل تحت اسم “جبهة فتح الشام”، فهل هذا كافيا لجعل المحيسني بعد سنوات من وجوده على الأراضي السورية يقرر الانضمام إليها أم أن هناك أفكارا في طريقها للتبلور، كأن يقوم تشكيل عسكري إسلامي أكبر على غرار التشكيل المرتقب صناعته بعصا سحرية اسمها “الموك”؟
قد يكون هذا التشكيل جامعا لكل من جبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام وبعض الألوية الأخرى للجيش الحر وحركة نور الدين زنكي وخاصة بعض الضغوط الكبيرة لإعادة مؤسسها الحقيقي لقيادتها بعد اعتزاله إياها لسنوات، إضافة لجيش المجاهدين ولواء الحرية وجيش السنة، خاصة بعد تشكيل مجلس تشاوري يجمع كلا من عبدالله المحيسني وأيمن هارون وعبد الرزاق المهدي وآخرين.
السؤال الأكثر إلحاحا ما دلالة إعادة تشكيل القوى في الشمال السوري لتتحول الكتائب والفصائل كافة تحت جناحين وحيدين جناح الجيش الحر، الذي يتبع مباشرة للموك، وجناح إسلامي بما فيه جبهة فتح الشام والأحرار وغيرها.
وهل هناك صراع جديد ستشهده المنطقة بين فصائل معينة أم هناك اندماج للحر مع النظام لتشكيل جيش وطني (ولفظة وطني بين قوسيين كبيرين) لمحاربة تنظيم الدولة، أم أنّ هناك نية لإنتاج كانتون إسلامي في الشمال السوري؟
كل هذا لا يمكن تفسيره في ظل تغيرات سياسية كبرى أقرب لأن تكون تخبطا وسقوطا للأقنعة وتبادلا لأدوار السياسة الدولية والإقليمية التي تتبلور شيئا فشيئا على الأرض في الساحة السورية عامة والساحة الشمالية والشرقية خاصة.. وستبقى التقارير والتحليلات الاستشرافية أقرب إلى التكهنات وقراءة الأحداث منها إلى رؤية مستقبلية واضحة.. هذا في الوقت الحاضر على أقل تقدير.
المركز الصحفي السوري – علاء العبدالله