بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
مؤتمر جنيف الخامس يواصل عروضه الهزلية على مسرح العالم، ضاربا عرض الحائط جميع القيم الأخلاقية والإنسانية، ومراهنا على فيزيولوجية الآنسان وقدرته على تحمل كميات من العهر تفوق الحد المسموح به منطقيا.
عراب جنيف دي مستورا الغائب عن الواقع السوري الدموي المتواجد ضمن نطاق عدسات الكاميرات تحت الأضواء الناعمة، وزع وثيقة جديدة على الأطراف تحت عنوان (لا ورقة). تتضمن مبادئ عامة بشأن السلال الأربع خلال الاجتماعات والتي لم تأتي على ذكر هيئة انتقالية ، بل ركزت فقط على طريقة الحكم وشكله.
كما لم تحسم الوثيقة أي انتخابات برلمانية أو رئاسية، و تضمنت عناوين صغيرة ونقاط فرعية ولم تناقش المرحلة الانتقالية بمفهومها الواسع.
وبالسياق نفسه فقد أعلنت المعارضة في مؤتمر لها أن المبدأ الذي قامت عليه الثورة في سوريا لم ولن يقبل دوراً لبشار الأسد في الفترة الانتقالية.
وكان مصدر دبلوماسي قد أفاد أن المعارضة السورية قد أعلنت تمسكها بإلغاء منصب الرئاسة في فترة الحكم الانتقالي. كما أضاف المصدر أن المعارضة قبلت بوجود رئيس النظام السوري بشار الأسد عضواً بهيئة الحكم الانتقالي لكن ليس كرئيس ( حيث يتنحى بشار عن قيادة دفة المركب السوري المترنح ليستبدلها بشاشة تحكم ديجيتال لنفس الغاية !!)
وللتطرق للوثيقة حيث تتضمن ووفقا لوكالة “سبوتنيك” مقترحات حول تنظيم عملية مناقشة السلال الأربع المطروحة في مفاوضات جنيف-5 المتواصلة منذ 24 مارس/آذار الجاري، وهي هيئة الحكم الانتقالية، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، في حين رفض رئيس الهيئة للمفاوضات نصر الحريري وفد المعارضة استلام الورقة .
بيد أن نظام دمشق يواظب على سياسة تمييع الأحداث ووضع العصي في الدواليب من خلال المماطلة والهرولة في المكان، و الضغط على ديمستورا بإضافة سلة مكافحة الإرهاب (الصخرة التي تسد أبواب الحل ) !! فالإرهاب العبارة الفضفاضة التي تحاول دمشق من خلالها عرقلة سير مؤتمر جنيف !! حيث تتشابك ضمنها المسميات بين الجانبين حول الفصائل التي تندمج تحت مسمى الإرهاب من عدمه.
وضمن ذات المنحى تطالب المعارضة السورية بحل سياسي مع استبعاد الأسد وهذا حل منطقي ولكن المطالبة به غير مجدية !! في ظل العنف الروسي والإيراني إزاء مصير الأسد، بالإضافة إلى الفتور الأمريكي في عهد أوباما وخلفه دونالد ترامب حول الإطاحة بالأسد .
ولعل زيارة الخارجية الأمانية الأوروبية إلى دمشق بالفترة الأخيرة ولقاء أعضاء الوفود الأسد يعبر عن نوايا القارة العجوز حول مصيره .
ويجدر التنويه هنا بأن المشكلة الحقيقة في عدم تمكن المعارضة من رص الصفوف وتوحيد الرؤى والمطالب تكمن في هيكلية المعارضة السورية المرتهنة للأطراف الخارجية.
ولتوضيح هذه الرؤية يجب التدقيق بارتفاع سقف مطالبات المعارضة وانخفاضه توازيا مع علاقة أنقرة مع موسكو، حيث تشكل تلك العلاقة الغزلية تارة والنارية تارة أخرى شيفرة المعارضة السورية.
وبعيدا عن المبالغة والتعميم تكاد المعارضة السورية وللأسف لا تستطيع الانفلات من عباءة السلطان أروغان مهما حاولت. فخلال فترة شهر العسل بين أنقرة وموسكو فرض على المعارضة المشاركة في مؤتمر الأستانا والجلوس جنبا إلى جنب مع الروسي والإيراني والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار من جانب واحد، كما سبق تلك الرغبة التركية بإفساح المجال لقوات الأسد بالسيطرة على الموقف بطلب أنقرة من الفصائل المتحاربة مع الأسد وحلفائه في مدينة حلب بالانسحاب من المدينة من أجل الانضمام إلى قوات درع الفرات، مما أشعل حينها ثورة من الشتائم والاتهامات من قبل صفوف المعارضة تجاه الدور التركي وماهية الشراكة مع الروس حول أضعاف دور المعارضة.
ومن ناحية أخرى وضمن حلقة جديدة من تفاقم الخلافات بين أنقرة وموسكو تتهم الكرملين تركيا بدفع قوات المعارضة للهجوم على ريف دمشق وحماه . وهنا يبرز السؤال المعيب ،، هل كانت المعارضة السورية قادرة على دق أبواب نظام الأسد في دمشق (جوبر ) و زعزعة أركان كيانه في القرى العلوية المجاورة لمدينة حماه ، ولكنها (المعارضة ) كانت تحتاج الأذن للقيام بذلك ؟؟؟.
ولزيادة التعمق بأهمية العلاقة بين أروغان وبوتين وتحركات المعارضة السورية، يتوجب علينا كشف أسباب التوتر الأخيرة بين الطرفين وربطها بالأحداث المتلاحقة.
حين ألغت تركيا خدمة العبّارات بين موانئ القرم والموانئ التركية، كما أعلنت أنقرة يوم 18/03/2017 أنها لن تعترف أبدا بأن القرم روسي.
وتوازيا مع المشهد فقد حدثت قصة أخرى مسيئة لروسيا فعلها أردوغان في أستانا، حيث انتظر المشاركون في الجولة الثالثة من المفاوضات بشأن التسوية السورية، بفارغ الصبر عدة أيام حضور ممثلي المعارضة السورية المسلحة الذين ضمنت أنقرة حضورهم في جولات المفاوضات السابقة!!! ولكن من دون فائدة.
وأنقرة هنا شطبت مبادرات الرئيس بوتين من ضمير المجتمع الدولي المريض، مما دفع الأخير (بوتين ) بالقيام برد فعل على التصرفات التركية عبر استمالة الجانب الكردي وتوقيع اتفاقية بتدريب العناصر الكردية التي قد تصل إلى مائة ألف مقاتل على تخوم الحدود التركية.
حيث تقف روسيا وتركيا مرة أخرى على عتبة الشجار، وتجلى ذلك مؤخرا بوضوح في عملية التوبيخ العلنية التي أعدتها الخارجية التركية للقائم بالأعمال الروسي في أنقرة (سيرغي بأنوف ) على خلفية مقتل جندي تركي على يد قناص كردي، وأصداء الاتفاق بين الجانب الروسي والجانب الكردي فقامت الخارجية التركية بطلب من سيرغي بأنوف إغلاق مكتب “الاتحاد الديمقراطي” في موسكو، هذا على الرغم من أن الجانب الروسي لم يؤكد حقيقة وجود مثل هذا المكتب .
وهنا يتوضح لنا بشكل لا جدال فيه بارتباط المعارضة السورية العميق بمؤشرات العلاقة بين أنقرة وموسكو، فلقد فرضت فترة شهر العسل الروسي التركي ذهاب المعارضة إلى أستانا، ومن ناحية أخرى فإن فترة الطلاق بين العاشقين أفضت إلى عدم توجه المعارضة السورية إلى جولة الأستانا الثالثة، وتوجيه المعارضة صفعة قوية لدمشق في عقر دارها في جوبر وما تشكله تلك العملية من رغبة أنقرة برد الصفعة لموسكو على تقارب وجهات النظر مع الأطراف الكردية .
وضمن مشاهد الدمار على الأراضي السورية وقرارات المعارضة التي تكون أخف لهجة في حال تقارب المقعد الروسي من المقعد التركي في طاولة الحوار حول سوريا، تنكشف لنا حقيقة وهم التعويل على تلك المعارضة (إلا من رحم ربي ). بل أن المعارضة باتت على المحك وفي قفص الاتهام أمام الشعب السوري في حال عدم قدرتها على الانعتاق من اللعنة التركية التي تحاول مسك خيوط اللعبة وتوجيه عربة المعارضة السورية بما يتلاءم مع مصالحها .
وإن دعوة العشاء على المقتلة السورية قد اكتملت أركانها مع غياب المعارضة !! والتي من واجبها إخراج الملف السوري من فوهة المدفع، وإحجام دور الداعم التركي الذي يصوب بندقية المعارضة بحسب علاقاته مع الكرملين.
وعلى ضوء التصريحات والدلالات والأحداث على الأرض نتوصل إلى فهم حقيقة مؤتمرات جنيف فالجميع اتفق على ألا يتفق، وقد يكون المواطن السوري مصابا بالغباء المرضي في حال انتظاره من تلك المؤتمرات الخروج بحل ولو جزئي تنتعش من خلاله أمال السوريين بالخلاص .
فعندما يفقد المتحدثون بأوجاع الشعوب وقادة الدول الكبرى والمجتمع الدولي بوصلتهم الأخلاقية فحدث وبلا حرج عن فظاعة هذا الكوكب السادي .
فمن ينتظر من الميت أن يقود ثورة ؟؟
ومن القاتل أن يعترف بجرائمه ؟؟
ومن الدول الاستعمارية أن تسعى إلى أحلال السلام ؟؟
كمن ينتظر من جنيف وأبنائه أن يخلعوا أثواب زيفهم ويتوصلوا إلى حل ينهي آلام السوريين !!
ارفعوا أيديكم عن القضية السورية، كفاكم سخرية بمطالب الشعب المنهك منذ عدة سنوات.