تبدو “الهيئة العليا للمفاوضات” بقيادة منسّقها العام رياض حجاب، واضحة في مطالبها، مع تأكيدها على مقررات الرياض وضرورة رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد وبناء الثقة قبل الشروع في مفاوضات مع النظام السوري، التي قال المبعوث الدولي الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا إنها من المخطط أن تُجرى في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني الحالي.
وقال الأمين العام للائتلاف السوري محمد يحيى مكتبي لـ”العربي الجديد” إن “وفد الهيئة قال لدي ميستورا إنه لا يمكن إنجاح المفاوضات في ظل حرب الإبادة وسياسة التجويع والحصار والتهجير التي يمارسها الثلاثي العدواني، روسيا وإيران ونظام الإجرام في دمشق”، مؤكداً في الوقت ذاته: “أننا جادون لتخليص الشعب السوري من الاستبداد والإرهاب والانطلاق نحو مستقبل جديد لسورية يتشارك فيه كل أبناء سورية”.لكن لا توجد حتى الآن أية مؤشرات في الأفق حول بدء المفاوضات، مع تشديد المعارضة السورية على إجراءات بناء الثقة من قِبل النظام السوري، فيما ترجّح مصادر في الائتلاف الوطني المعارض لـ”العربي الجديد” أن “لا يعطي وفد الهيئة دي ميستورا أسماء الوفد حتى لو تم الاتفاق عليها”، فيما كان تحديد الشكل النهائي للتفاوض من حيث الأعداد واللجان، عنوان اللقاء بين المبعوث الأممي ووفد الهيئة الذي عُقد في الرياض أمس الثلاثاء.
وأوضح مكتبي “أن الهيئة طالبت المبعوث الأممي بتطبيق إجراءات بناء الثقة من قِبل النظام التي تضمنها القرار الأممي 2254 ومن بينها فك الحصار عن المدن المحاصرة، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف القصف العشوائي على المدنيين، قبل المفاوضات المقررة هذا الشهر”.
من جهته، قال المنسّق العام لهيئة التفاوض رياض حجاب، في تصريحات صحفية مكتوبة حصلت “العربي الجديد” على نسخة منها، إن “الشعب السوري بات 11 مليون مهجر داخل البلاد، 5 ملايين لاجئ في دول الجوار، و16 مليوناً بحاجة للمساعدات”، متسائلاً “أين القرار 2254 عن تخفيف معاناة السوريين”؟، مبيّناً أن “قائمة روسيا تضم 163 تنظيماً “إرهابياً” تجب محاربته في سورية، ونحن نواجه مشكلة تعريف الإرهاب قبل الشروع في التصنيف وفق مقاس الكرملين الفضفاض”.
وتتطلع الهيئة العليا للتفاوض إلى البدء من الواقع الحالي، في ظل ما يجري في مدن ريف دمشق من “حصار وتجويع من قبل قوات النظام ومليشيات طائفية لعشرات آلاف المدنيين، ما أدى إلى وفاة العشرات جوعاً وبرداً، خصوصاً في مدينة مضايا شمال غرب العاصمة دمشق”، حسب مكتبي.
على ضوء ذلك، تشدّد الهيئة على ضرورة الالتزام الكامل بما ورد في المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254 قبل الشروع في أية ترتيبات للعملية التفاوضية، ويعني ذلك أن يسمح النظام فوراً للوكالات الإنسانية بالوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى كل أنحاء سورية ومن خلال أقصر الطرق، وأن يسمح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، خصوصاً النساء والأطفال.
كما يتوجب على النظام أن يوقف أي هجمات موجّهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك القصف المدفعي والقصف الجوي.
ولا يبدو أن المعارضة في ضوء التراجع قبل تنفيذ النظام هذه الإجراءات للشروع في العملية التفاوضية، خصوصاً مع تأكيد حجاب قبل يومين على اعتماد المبادئ التي تضمّنها بيان الرياض كأساس للعملية التفاوضية واعتبارها خطوطاً حمراء غير قابلة للتفاوض، وأنه لا مجال لبقاء الأسد وأركان نظامه ورموزه في سورية خلال الفترة الانتقالية أو في أية ترتيبات سياسية مقبلة.
ويواجه مسار المفاوضات إضافة إلى إجراءات بناء الثقة ورحيل الأسد، سلسلة من العقبات على ضوء تمسّك المعارضة ببيان الرياض، خصوصاً مع محاولات رئيس “مجلس سورية الديمقراطية” هيثم مناع تقديم نفسه نموذجاً للحوار مع النظام، وهو ما قد يخلط الأوراق، عبر وجود ثلاثة وفود تريد التفاوض فيما بينها حول خريطة الانتقال السياسي في سورية، حسب ما تقول مصادر في الائتلاف لـ”العربي الجديد”.
وكان مناع قد قال في رسالة للأمين العام بان كي مون في وقت سابق إن ائتلاف “مجلس سورية الديمقراطية” مكوّن من شخصيات متنوعة أدت دوراً جوهرياً في مؤتمر القاهرة ومنتدى موسكو، مؤكداً أن هذه المنظمات كانت من أول المطالبين بحل سياسي في سورية بناء على جنيف، وتم التنسيق بانتظام لمساعدة دي ميستورا.
على ضوء ذلك، يتوجه دي ميستورا إلى طهران اليوم، فيما سيلتقي السبت المقبل في دمشق وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم لبحث التحضيرات للمفاوضات المزمعة بين النظام والمعارضة، حسبما أفاد مصدر في الأمم المتحدة أمس. وأوضح المصدر أن الزيارة ستستمر يوماً واحداً، وتأتي تحضيراً للحوار السوري-السوري، المتوقع عقده في 25 الحالي في جنيف، وكيفية المضي في الحل السياسي.يأتي ذلك في ظل بروز الخلاف الإيراني السعودي أخيراً وما قد يلقيه من تأثيرات على مجريات خريطة الانتقال السياسي في سورية طبقاً للقرار 2254. هذا التخوّف ظهر في قول دي ميستورا إن “الأزمة في العلاقات بين السعودية وإيران مقلقة جداً”، وإنها قد تتسبب في “سلسلة عواقب مشؤومة في المنطقة”، لكن السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي بدّد هذا الخوف أول من أمس عندما أكد أن الأزمة مع إيران “لن يكون لها تأثير” على جهود السلام في سورية واليمن، مؤكداً أن السعودية “ستحضر محادثات سورية المقبلة ولن نقاطعها بسبب إيران”.
العربي الجديد