عادات و تقاليد عدة توارثها السوريون جيلاً بعد جيل ساهمت في تحديد الهوية السورية الأصيلة التي تعبر عن ثقافة و عراقة شعبها عبر مر العصور.
يعتبر ” المطبخ السوري ” أحد أهم تلك العادات بأكلاته المتنوعة و حلوياته المميزة، إذ تنفرد كل محافظة بأطعمة و مأكولات تميزها عن سواها و تعطيها هوية خاصة بها، ويوم الجمعة له وقع خاص عند السوريين للم العائلة ولإعداد أشهى الموائد.
أدى انهيار الاقتصاد السوري بسبب الحرب إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية و الأساسية التي تتواجد سابقاً بأي مطبخ كالزيت والسمنة و الأرز فضلاً عن اللحوم بأنواعها و التي باتت من الرفاهيات في الوقت الحالي، وبسبب موجة الفقر التي اجتاحت معظم المدن السورية اقتصرت الأطعمة على مكونات بسيطة اعتمدت على ما يصلهم من إعانات كالبرغل و العدس و المعكرونة، بالإضافة للمناطق المحاصرة كمضايا والزبداني لتكون وجباتهم عبارة عن بعض الحشائش المقتطعة من الأراضي الزراعية إن وجدت.
تسببت الحرب بارتفاع نسبة هجرة السوريين إلى دول الجوار و دول أوروبا بحثا عن ملاذ آمن وهربا من حياة القصف والقتل، فنقلوا معهم أسرار المطبخ السوري الذي أصبح جواز سفر يمثل موروثهم الشعبي.
” عندما وصلنا ألمانيا قدموا لنا طعاماً لم نعرف مكوناته وأولادي لم يحبوه، و هنا بدأت معاناتي في البحث عن خضار لأطهو لهم ما اعتادوا على تناوله في سوريا” هذا ما قالته أم وسيم في رحلة اللجوء.
و تضيف أم وسيم :” أشعر بالحزن كلما ذهبت لأتسوق بعض المواد الغذائية، فالخضار والفاكهة هنا لا تشبه خيرات بلادي”.
يعاني السوريون في دول أوروبا عدم تقبل الأطعمة التي تقدم لهم لعدة أسباب ومن أهمها احتوائها على دهن الخنزير أو الكحول و هي محرمة في الدين الإسلامي، وتناولها ينافي أخلاقهم و تربيتهم، ونتيجة لذلك لاقت محلات الأكل السوري رواجا كبيرا في جميع الدول التي تستضيفهم، فعندما يصل السوريون لأي دولة أول مهمة يقومون بها البحث عن محلات تقدم طعاما سورياً و بالأخص الخبز، والذي يعتبر أساسياً عندهم.
أم محمود لاجئة في السويد تقول:” نظرا لتواجد السوريون بكثرة في معظم المدن السويدية، أينما ذهبت تجد محلات لبيع الأطعمة الشعبية كالفلافل والفتة والفول بالإضافة لمحلات مختصة بصنع الكبة الحلبية وورق العنب المحشو والكنافة والبقلاوة وغيرها الكثير غزت الأسواق وبأسعار مقبولة”.
و تضيف أم محمود ضاحكة :” أولادي يحبون تناول المكدوس، فسمعهم جارنا سويدي الجنسية يطلبون مني إعداده، فسألني مستغربا ما هو المكدوس، وعندما تذوقه أحبه جدا، ومن لا يحبه وهو رمز للمائدة السورية”.
لم يكن الهدف الوحيد من محلات الطعام السوري في الخارج تلبية متطلبات السوريين، بل كان مصدراً جيداً للرزق و يؤمن دخلاً لا بأس به إذ أن هذا العمل الوحيد الذي لا يحتاج لغة للتواصل فالابتسامة عند البيع كفيلة بالتفاهم، فانتشرت ” البسطات” و العربات في أرجاء الحدائق و الأماكن العامة.
استقبلت تركيا أكثر من مليوني لاجئ سوري مما أدى لانتشار مطاعم ببصمة سورية، فضلاً عن قيام بعض النسوة بإعداد طعام في المنزل و بيعه للمطاعم الكبرى كخطوة منهن لمساعدة أزواجهن في تأمين متطلبات المعيشة الصعبة، بالإضافة للمطاعم التركية التي تقوم بتشغيل سوريين كوسيلة للتفاهم مع الزبائن العرب الذين لا يتحدثون اللغة التركية.
رغم أوجاعهم و معاناتهم إلا أنهم يتركون طابعاً مميزاً عن هويتهم أينما وطأت أقدامهم، ويبقى ” المطبخ السوري” معروفا بتقديم أشهى المأكولات ويشهد على ذلك كل من ذاقها وأحس بالنفس السوري المميز.
سماح خالد
المركز الصحفي السوري