د . فطين البداد
مضحكٌ مبك واقع الانتخابات الرئاسية السورية التي فاز بها بشار الأسد بولاية ثالثة رئيساً على بلد من الركام ، وعلى شعبٍ من الأشلاء .
مضحكة هي تلك المسرحية الهزلية التي لعبها وعصابته عندما أعلن أن هذه الانتخابات هي أول انتخابات تعددية في تاريخ سورية من أجل أن يعطي لنفسه الشرعية ، ويقول للعالم : أن انتخابه كان بناءً على الإرادة الجماهيرية ، وأن سورية هي بلدٌ ديموقراطي خاضعٌ لرغبة أبنائه وإرادتهم.
مضحكةٌ تلك المسيرات والاحتفاليات التي عبرت عن فرحها بخبر فوز بشار الأسد في الانتخابات الهزلية بنسبة ٨٨٪ وذلك بإطلاق الأعيرة النارية بشكل عشوائي ، ليذهب ضحية ذلك العشرات ، ومع ذلك لم يُعز ” الرئيس ” الفائز ذويهم ، فمن هم هؤلاء بالنسبة لشخص قتل مئات الآلاف ممن عارضوه وكان السبب في مقتل الآلوف ممن يدافعون عنه ، هؤلاء الذي ماتوا عشية إعلان فوزه ، ليسوا سوى أرقام في عدّاد لا يعمل إلا بالدم .
مضحكة هي حالة الفرح البلهاء التي يعيشها مؤيدو الأسد واستباحتهم لكل شبر في أرض سورية وكأنها أرض ووطن لهم فقط، وأما الآخرون ممن عارضوه فلا مكان سوى السماء .
مضحك كل ذلك وغيره ، أما المبكي فهو ذلك الصمت المريب المطبق على أفواه العالم الذي وقف متفرجا أمام هذه المهزلة ، وأمام المجازر اليومية التي يرتكبها نظام فاشي بحق شعب مظلوم .
ومبك كذلك ، كيف تكون الأفراح والمسيرات عامرة في شوارع دمشق العاصمة ، بينما ريفها يُقذف بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة المدمرة ، ناهيك عن مدن أخرى كحمص وحلب ودير الزور وغيرها .
مضحك مبك كذلك ، إعلام حسن نصر الله البائس الذي يواكب الحدث ” الخارق ” في فوز شخص محسوم فوزه ، وها هي كلمته الأخيرة يبارك فيها للشعب السوري فوز رئيسه ، و” يهنئ ” السوريين الذين يشارك حزبه بقتلهم ، معتبراً هذا الحدث إنجازاً تاريخياً وانتصاراً عظيماً لسورية شعباً وقيادة ، وما نجاح هذه الانتخابات وفوز الأسد إلا إعلان سياسي وشعبي بفشل الحرب العسكرية والتدميرية على سورية ، كما قال !!.
ولعلّ المضحك أيضاً هو الحال الذي وصلت إليه اليوم السياسة الأميركية التي عمل زعماؤها التاريخيون والمُحدثون حتى تكون أكبر دولة عظمى ، مهيمنة على قرارات المجتمع الدولي بأكمله، لكنها اليوم ، بفضل سياسة أوباما المتراخية الضعيفة ، أضحت مثالاً للسخرية والاستهزاء ، فلقد فقدت مصداقيتها وقوتها وعظمتها أمام الرأي العام العالمي بعدم مقدرتها على إيجاد حلول للمشاكل المستعصية.
ومن سخرية القدر أن جميع معارضي النظام بلا استثناء لم يكونوا يتوقعون أن الأسد باقٍ حتى عام ٢٠١٤ موعد الانتخابات الرئاسية السورية ، فهو إما ساقط بفعل الإرادة الشعبية وبدعم المجتمع الدولي لها ، أو أنه سيتنحى قبل ذلك الموعد، وإذ به – بفضل روسيا وإيران وحزب الله وتخاذل العالم – يُرشح نفسه ويفوز بولاية ثالثة رئيساً لسورية .
ماذا سيفعل استنكار المستنكرين لفوز الأسد ؟ للأسف ، لن نسمع منهم سوى الإستنكار ، قولا لا فعلا ، وها هو جون كيري في زيارته الأخيرة لبيروت يطلب من حزب الله ، بالإسم ، المساهمة في إيجاد حل للأزمة السورية .
هكذا وصلت الأمور ، وهكذا هو قدر السوريين الذين يرش العالم الملح على جروحهم ليلا نهارا ، ولكن النصر هو صبر ساعة ، وإذا كان للباطل جولة ، فإن للحق جولات .
” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ” صدق الله العظيم .