طنجة، المغرب ٠٨ فبراير/شباط ، كان الجو هادئا جدا كالعادة، نخرج في الصباح الباكر في السادسة صباحا متوجهين للعمل، ونأخذ استراحة غذاء في الواحدة زوالا، يقول أحد الناجين من فاجعة طنجة صباح الإثنين ويسترسل في كلامه قائلا:
((جئنا إلى هنا لاستئناف العمل وقد كان كل شيء على ما يرام حتى وصلت الساعة السابعة والنصف، حيث اجتاحت أمطار غزيرة هذا المصنع الموجود في قبو تحت فيلا سكنية، هرعنا للخروج لكن الأبواب كانت مؤصدة، ففي كل يوم بعد دخول العمال تغلق الأبواب منعا لخروج أي عامل قبل وقت الاستراحة. كانت المياه قوية، أسرعت أنا وبعض العمال إلى الدرج محاولين النجاة من الكارثة، وفي غضون ثوان ملأت المياه المصنع كاملا، لقد كان منسوب المياه يصل ل٣امتار، كان الناس خائفون جدا، الكل يصرخ طلبا للنجاة، منهم من يحاول السباحة ومنهم لا يتقنها، لكن لم يجيبهم أحد، حتى نحن كنا نصرخ طلبا للإغاثة من المارين، لقد اتصلوا مرارا بالسلطات لكنهم تأخروا كثيرا، أنقذنا ما استطعنا، ولكن الأغلب راح في المتاهات، إنّا لله وإنا اليه راجعون)).
شهدت طنجة شمال المغرب يوم إثنين أسود؛ فقد تسببت مياه الأمطار في غرق نحو 28شخصا، كانوا يعملون في مصنع نسيج تحت الأرض. لم يستطيعوا النجاة؛ بسبب قوة المياه وهشاشة البنية التحتية، وكذلك إهمال مسؤولي المنطقة لهذا المصنع الذي يفتقر لأدنى شروط السلامة المهنية والصحية ويعمل سرا، كان يعمل قبل 4سنوات تحت أنظار كل من هب ودب، لا يمكن أن يدل إلا على التهرب والتملص من المسؤولية والتلاعب بالقوانين، في حين تم إنقاذ 18مصابا، وقد نقلوا إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية.
لا يزال البحث جاريا عن مفقودين محتملين، ولا تدري أي اختيار أصعب على المرء بين حياته التي يعيشها في الفقر والقهر التي لم يكن يدري بأنها ستكون ضحية هذه الكروش المنتفخة، أم لقمة عيش يسد بها رمقه ملطخة بالمهانة والذل، ولست تدري لم تستبح أرواح المواطن البسيط لهذا الحد؟
فها هي السيناريوهات تعيد نفسها من جديد بعد حادثة احتراق مصنع روزامور في الدار البيضاء، الذي أودى بحياة عدد كبير من الفئة الشابة العاملة هناك، وها هي طاحونة الحياة في كل مرة تعصر دماء المواطن الفقير وتبتلعها، ويبقى الظالمون يتمادون في جبروتهم.
تحكي أم لأحد أربع بنات راحوا ضحية الفاجعة التي حدثت وهي لا تقوى على الحديث، تكاد تختنق وهي تجهش بالبكاء:
“لِمَ لم يتم إنقاذ ولو واحد من كل أسرة، أين السلطات المسؤولة؟ لماذا أفقد الأربعة في الوقت نفسه، لقد كنت أجهز لزواجهم وليس لجنازاتهم، أطلب من الجهات المسؤولة استرجاع حقي المهضوم، فقد فقدت بناتي الأربعة، ولم يبقَ لي أحد، هم من كانوا معيني الوحيد”.
من يضمد جراح هذه الأمة ويوقف نزيف الظلم والاستبداد، “كلما تبللنا جف الدم عن أجسادنا غرقنا به مرة أخرى، فمنا من غرق في البحر بحثا عن الحياة ومنا من غرق في الحروب والهموم والفقر والبطالة والحصار، وآخرون غرقوا بملذاتهم وانسلخوا عن آهات أمتهم “فكيف ستكون النهاية وما السبيل إلى الخلاص؟؟!.
أضبيب صليحة/المركز الصحفي السوري