في ذلك المشهد ختم السوريون على جواز دريد لحام الفني بالخروج من ذاكرتهم، ولو أن ضابط المطار ختم له بالدخول.
مازال للسوريين فائض من الفرح، كفيل بدفعهم لحمل دريد لحام بالقلوب قبل الأكتاف كما فعلوا مع مكسيم خليل وَعَبَد الحكيم قطيفان وفيصل القاسم وغيرهم، لكنهم لفظوه ولم يبدوا له أي اهتمام إثر وصوله لمطار دمشق الدولي في الصور التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. كنت أتمنى أن يظهر المقطع العيون التي لاشك أنها كانت ترمقه بكل دونية لكن تعليقات السوريين على السوشال ميديا ، تخبرك بما جال في الصدور ، لسنا بذاكرة السمك حتى ننسى وقوفه مع نظام البراميل، وخلعه عبارات “القداسة” على نظام طهران الكهنوتي، من منطلق طائفي.
زعم مرةً في إحدى حواراته التلفزيوينة، أنه سمع أوجاع الناس حينما كان جنينًا في بطن أمه ، لكن المفارقة اللافتة أن هذا الفنان المرهف، صم سمعه وبصره عن مأساة السوريين ذبحًا وخنقًا وتهجيرًا طيلة 14 عامًا ، وعن أصوات القتل والبراميل والقصف الذي حول أحياء دمشقية كاملة كجوبر والقدم إلى أنقاض، ليتبين أنه لم يكن فنانًا يفترض فيه أن يتألم لأوجاع المواطنين ويعالجها بطريقته بل فنان يعرف كيف يراوغ أحلام وآمال هؤلاء الناس وكيف يقف مع قاتلهم؛ بشار الهارب.
فجاجة تصريحاته التي بلغت حد القول: “إذا الوطن حفيان أنا صرمايتو”، تنفي ما قد يفسره البعض أنه كان “مجبورًا” ، ولعمري لو كان بعمر أصغر لتخندق مع “الفنان” توفيق إسكندر (الذي خلع ثوب الفنان ولبس ثوب العسكر الطائفي)، لذبح شعبنا قتالًا لكن برأيي أن دريد لحام قد خدم آلة الإبادة الأسدية أكثر من إسكندر وسهيل الحسن معًا، حينما روج لتنظيم الأسد إعلاميًّا، ووضع كل تاريخه ورصيده لدى الجمهور العربي للدفاع عن سفاح حتى لحظة سقوطه!.
لقد سقط دريد لحام أخلاقيًّا وإنسانيًّا، ومزق صورته التي أضحكتنا يومًا وأبكتنا لاحقًا أيامًا، وأطاح بكل الفصول والمقالب التي قام بها ضد حسني البورظان وأبهجت قلوبنا… فقد تبين أنها كانت لا شيء أمام مقلبه فينا جميعًا!.
ولا شك أن مقطع دخول دريد لحام لمطار دمشق، أصدق وأقوى مشهد في مسيرته الفنية، ففي ذلك المشهد ، ختم السوريون على جواز دريد لحام الفني ، بالخروج من ذاكرتهم ولو أن ضابط المطار ختم لشخصه بالدخول ، مشهد عفوي خلى من أي رتوش وتصنع، أظهر وعي السوريين وتحفظهم على حرمة ثورتهم ودمهم من جهة و أظهر دريد لحام وحيدًا تائهًا ضعيفًا، من جهة ثانية.