لورا باليت – أوزي
العثور على وزارة العدل السورية في المنفى ليس سهلاً. البناء متواضع تمامًا، وقد تمشي بجانب الورقة الملصقة على باب الشقة، والتي تشير إلى أنها مكتب الوزارة، دون أن تلاحظها. ومن ثم، هناك حقيقة أخرى، وهي أن المكتب يقع في غازي عنتاب، تركيا، على بعد نحو 250 ميلاً من العاصمة السورية، دمشق.
وداخل هذه الكتلة من الشقق يقيم البديل الأكثر مصداقية لنظام بشار الأسد القاتل، وهو الحكومة المؤقتة السورية (SIG)، ويحاول رئيس الوزراء وحكومته حكم البلد الذي مزقته الحرب.
وتعد المؤهلات الخاصة بأعضاء هذه الحكومة غير متناسقة. وزير العدل، على سبيل المثال، كان أحد القضاة لفترة طويلة في مدينة متوسطة الحجم، وهرب في سيارة مليئة بملفات المحكمة عندما اجتاحت داعش مدينته. ولكن رئيس الوزراء، أحمد طعمة، كان طبيب أسنان “جيد جدًّا”، كما قال لي، ويتمنى لو أنه درس التاريخ السياسي بدلاً من ذلك.
ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الشهادة الجامعية سوف تساعد فعلاً. وعلى الرغم من ملاذها الآمن في غازي عنتاب، والدعم الدولي غير القليل، تعاني الحكومة المؤقتة من اضطرابات رهيبة. وكما يتضح من مكاتبها الفارغة وسقوفها المتصدعة، تعاني خزائن هذه الحكومة من الجفاف. ووفقًا لما يقوله وزير العدل، لم يتم الدفع لأي أحد، بدءًا من وزير التعليم وصولاً إلى الناس الذين يديرون امتحانات الأطفال في سوريا، منذ يناير.
وما هو أكثر إثارةً للقلق هو أن سمعة هذه الحكومة متعثرة حتى بين السوريين أنفسهم. وبعد كل شيء، لا أحد في سوريا انتخب أعضاء مجلس الوزراء هذا، ولم يفعل ذلك حتى أي من آلاف اللاجئين السوريين الذين فروا إلى غازي عنتاب. ويقول غالي تازا، البالغ من العمر 24 عامًا: “إنهم بسوء الأسد، إذا سألتني. إنهم يبحثون عن مصالحهم بدلاً من مساعدة إخوانهم داخل سوريا”.
وفي هذه الأيام، يقول هؤلاء القادة: إنهم يريدون العودة إلى سوريا، وإنه ليس هناك خيار آخر رغم أنهم سوف يكونون مضطرين لتجنب الرصاص، والأسلحة الكيميائية، وقنابل الأسد. ويقول وزير العدل، فايز زاهر، بابتسامة هادئة: “أنا لا أخاف الموت. قلقي الرئيس هو عدم وضع الجميع في المبنى نفسه، بحيث إذا تم قتل البعض، يتمكن الآخرون من الاستمرار في العمل”.
ولم يكن من المفترض أن يكون الحال على ما هو عليه اليوم. وقبل عامين، وفقًا لطعمة، تبرعت الحكومة القطرية بـ60 مليون دولار لتمويل الحكومة. وكان الافتراض هو أنه عندما ستنتهي الحرب في سوريا، سوف يتعين على شخص ما توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع الأسد. وعلاوةً على ذلك، كان الغرب بحاجة لتسلسل قيادي واضح، يتم من خلاله توزيع المساعدات الإنسانية وغيرها. وكان هناك أيضًا بعض الأمل في أن وجود حكومة مدنية بديلة قد يساعد في درء المتطرفين المسلحين.
ولكن هذه الاستراتيجية لم تنجح بشكل جيد جدًا. وتشكل داعش اليوم تهديدًا دوليًا. والائتلاف الوطني السوري، الذي يقع مقره الرئيس في اسطنبول، تمزقه الصراعات المريرة. ولم يعد الناس يسألون الآن متى ستنتهي الحرب، ولكن ما إذا كانت ستنتهي.
ورغم ذلك، يقول خبراء: إنه مهما كان مستقبل سوريا غير واضح، قد يكون رئيس الوزراء المؤقت، ومجلس وزرائه، والائتلاف الذي انتخبه، أفضل فرصة لوصول البلاد إلى السلام. ووفقًا لمحجوب الزويري، وهو الخبير في النزاع السوري في جامعة قطر: “يجب أن يكون هناك بديل سياسي للأسد، وهذا هو ما يشكله هؤلاء. الفراغ في السلطة خلال الفترة الانتقالية سيكون كارثة. انظري إلى اليمن أو ليبيا“.
وللإنصاف، تمكنت SIG من توفير بعض الخدمات الأساسية في أجزاء من سوريا على الرغم من صعوبات حكم دولة محطمة من مسافة بعيدة. وعلى سبيل المثال، بنت هذه الحكومة المدارس وأقامت المستشفيات.
وفي يناير/كانون الثاني، بعد أن جفت الأموال القطرية، تلقت الحكومة المؤقتة 6 ملايين دولار من الولايات المتحدة. وفي مارس، حصلت هذه الحكومة على فرصة نادرة لإظهار أنه يمكنها فعل المزيد؛ وبعد أن خرجت مدينة إدلب من سيطرة الأسد، فتح ذلك فضاء لـ SIG لتقوم بحشد الدعم داخل سوريا.
ولكن إدلب سقطت في أيدي جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. وحتى لو تمكنت SIG من صد كتائب جبهة النصرة التي تتحكم بالمدينة الآن، والنجاة من هجمات الأسد الكيميائية، فإن تمويل رؤيتها للقانون والنظام هناك سيكون أمرًا صعبًا، ووفقًا لوزير المالية، إبراهيم ميرو، ستكلف إعادة بناء البلاد حوالي 100 مليار دولار.
ويدرك الجميع في SIG أن ما يحاولون القيام به هو شيء شبيه بالمعجزة. وبينما يحاول الائتلاف الوطني السوري قمع الاقتتال الداخلي بين فصائله المختلفة، أصبح حفاظه على شرعية حكومته في المنفى أكثر صعوبة على نحو متزايد. ولا يقدم التاريخ بدوره الكثير من الأمل في هذا الشأن، وقد نجحت الحكومات المؤقتة فقط عندما تواجدت داخل أوطانها، كما حدث لحكومة العراق المؤقتة بعد سقوط نظام صدام حسين.
وينفذ الوقت بسرعة أمام هذه الحكومة لإحداث فرق. وإذا ما كف السوريون عن الإيمان تمامًا بـSIG، فإنه سيكون من الصعب على هذه الحكومة الحفاظ على سبب لوجودها. وأيضًا، لم تساعد الاتهامات بسوء الإدارة، وبقبض الرواتب العالية، وبعقد اجتماعات فنادق الـ5 نجوم، في كسب الحكومة المؤقتة لقلوب وعقول معظم السوريين.
مركز الشرق العربي