مع بداية العام الخامس للأزمة السورية، وتزايد أعداد القتلى المدنيين والذي تجاوز 210 ألفاً وأكثر من 1.5 مليون مصاباً وفق المنظمات الحقوقية، فإننا نتوقف على الظروف الدقيقة التي يمر بها المشهد السوري في هذه المرحلة، والتي تتضمن تكهنات وتحركات غامضة خاصة بعد “عاصفة الحزم” والتحالف العربي في اليمن، فالبعض يطالب بـ”عاصفة” أخرى في سوريا، وآخرون يقومون بمحادثات سرية وزيارات غير معلنة.. والتساؤل الآن هل التقارب “السعودي – التركي” سيؤثران على المشهد .. وهل ستنتصر المعارضة على النظام في القادم أم العكس ؟.. وما دور “جيش الإسلام” بقيادة الشيخ “زهران علوش” في الأحداث القادمة؟.. وللإجابة على هذه التساؤلات ستلقي شبكة الإعلام العربية “محيط” الضوء قليلاً على مستجدات الأحداث والتحركات الغير معلنة.
علوش وإسقاط الأسد
وأبرز تلك التحركات زيارة زهران علوش قائد “جيش الإسلام” إلى تركيا، حيث احتلت صدارة المشهد السوري من حيث توقيتها والذي يعطي مؤشراً جديداً بتغيير مسار الأوضاع السورية.
وقبل الحديث عن الزيارة نتوقف قليلا على زهران علوش وهو رجل دين سلفي من رموز السلفية في سوريا، وليس مجرد قائد بريف دمشق بل هو من أكثر الشخصيات المؤثرة بالأزمة السورية منذ بدايتها وحتى الآن، حيث استطاع علوش تأسيس “سرية الإسلام” ومنها إلى “لواء الإسلام” وأخيراً “جيش الإسلام” الذي يضم أكثر من 50 لواء وفصيل مسلح، وعدد مقاتليه يتجاوز الـ20 ألف مقاتل؛ وهو الفصيل العسكري الأكثر قوة وانتشاراً وشعبية في منطقتي دوما، والغوطة، خلال وقت قصير من بداية الثورة.
ونظراً لما قام به علوش خلال الفترات الماضية من دور محوري وقوي في مسار الأزمة، وفي ظل التطورات المحلية والإقليمية التي تمر بها سوريا والمنطقة، جاءت أهمية زيارته إلى تركيا خاصة وأنه ذهب إليها في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقا، فيما لم يفصح أي من إعلاميي “جيش الإسلام” عن أسباب الزيارة؛ لكن مصدرا سوريا معارضا يقيم في اسطنبول ذكر أنه التقى مسئولين بارزين في تركيا ورسم خطة عمل مستقبلية تهدف إلى “إسقاط نظام الأسد”.
كما تكمن أهميتها في أنها جاءت بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد “الحوثيون” وحلفائهم في اليمن، ومطالبة العديد من الفصائل المسلحة في سوريا بأن تمتد عمليات “العاصفة” إلى بلادهم لتساعدهم في إسقاط النظام السوري، معتمدين في ذلك على التقارب السعودي ـ التركي الأخير الذي قد يفسح في المجال لمثل هذا الاحتمال باعتقادهم.
هذا وقد وردت تحليلات وتوقعات تؤيد انتقال “العاصفة” إلى سوريا، استناداً إلى أن كتاب سعوديون أفادوا بأن سياسة الملك سلمان الحديثة تطمح بإسقاط نظام بشار الأسد، واستبداله بمعارضة معتدلة.
اعتماد السعودية وتركيا على ..
وطرحت هذه الزيارة عدد من التكهنات، حيث ألمح جمال خاشقجي الكاتب السعودي المقرب من الدوائر الرسمية في المملكة العربية السعودية، إلى قرب اعتماد السعودية وقطر وتركيا على فصيل “جيش الإسلام”؛ وقائده علوش المقرب من العديد من الدعاة البارزين في السعودية، والذي أدى مناسك الحج قبل عامين بدعوة خاصة من الرياض.
واستكمالا لتحليلات وتوقعات بأن تنتقل “عاصفة الحزم” من اليمن إلى سوريا، غرَّد خاشقجي في حسابه على “تويتر” قائلا: “زيارة زهران علوش لتركيا تفك آخر عقدة في التعاون السعودي التركي القطري في سوريا. “#عاصفة_الحزم_في_سورية_الحسم”.
كما رجحت مصادر عسكرية وصول قيادات فصائل عسكرية مقاتلة إلى تركيا تمهيداً لاجتماع عسكري يضم وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، ورئيس هيئة الأركان، وما تبقى من مجلس الـ 30، تحت رعاية أكثر من دولة إقليمية.
ومن جانبه، اعتبر الكاتب السعودي فواز تلو أن وصول القائد العسكري المعارض زهران علوش من حصاره في غوطة دمشق إلى تركيا مخاطراً بهذا الشكل ليس بهدف حضور “مولد” على هامش هامش الثورة.
وكتب في مقال له حمل عنوان: “ماذا ينتظر سوريا هذا الصيف؟”: “أنه من المؤكد وجود كثير من القادة العسكريين الرئيسيين الآخرين أيضا، وصلوا أو سيصلوا لتركيا والسعودية وقطر، والسبب واضح وهو الاستعداد للمرحلة القادمة القريبة جدا، مرحلة تبدأ بالتخطيط العسكري والعمل التنظيمي”.
هذا وتداولت وسائل الإعلام مجموعة صور لقائد جيش الإسلام زهران علوش يوم الجمعة الماضي، خلال لقائه مع مجموعة من علماء الدين السوريين في اسطنبول، من بينهم الشيخين أسامة الرفاعي وكريّم راجح، على هامش الاحتفالية التي أقامتها “رابطة خطباء الشام”.
ورغم كل التكهنات والتحليلات السابقة حول الزيارة إلا أن علوش نفى تماما أن يكون للزيارة أي علاقة بعاصفة الحزم كما رأى البعض.
توحيد جهود الثوار
ورغم التعتيم الكبير قبل الزيارة إلا أن تصريحات علوش الصحفية بعد الزيارة كانت لافتة وتنذر بتغيرات قريبة في المشهد السوري ومن أبرزها قوله: “إن الزيارة تأتي بصدد توحيد جهود الثوار على الأرض السورية كافة، وليس فقط في ريف دمشق”.
ويعكس هذا التصريح وجود رغبة دفينة لدى زهران علوش بتوسيع نفوذه خارج ريف دمشق، والتمدد نحو الشمال والجنوب، ومثل هذا التمدد لن يكون بلا ثمن، وأول العقبات التي ستعترضه هو وجود “جبهة النصرة” – التي تواجه توترات جلِّية مع الجيش – في كلا المنطقتين.
وذكرت صحيفة “السفير” اللبنانية أن ما يؤكد تلميحات علوش في تصريحاته، أنه بالتزامن مع زيارته، كان “المجلس العسكري في دمشق”، يعقد مؤتمراً صحفياً في مدينة دوما معقل الأخير رافعاً “علم الثورة”، وذلك للمرة الأولى منذ حوالي سنتين.
ولا شك أن هذه الخطوة الشكلية تشير إلى وجود بوادر لدى علوش بالعودة إلى كنف “الأركان”، التي كان تخلى عنها قبل تأسيس “الجبهة الإسلامية” العام الماضي، وبالتالي تسمح بتتويجه عملياً زعيماً على “الجيش الحر” الموسوم بـ”الاعتدال”، وربما تفسر هذه العودة المحتملة خطة رئيس “الائتلاف” خالد الخوجة لتشكيل “جيش وطني” يضم 60 ألف مسلح لمحاربة “داعش” أو “جبهة النصرة” التي كال الخوجة الاتهامات لها ووصفها بالإرهابية.
وهذا يتلاقى مع تأكيد محمد علوش بأن زيارة تركيا ليس لها أي علاقة بما يجري الحديث عنه حول “عاصفة حزم” في سوريا.
الغوطة الشرقية قبل الزيارة
ومن اللافت للنظر أيضاً لهذه الزيارة أنه قد سبقها عدة متغيرات في الغوطة الشرقية أبرزها كان تشكيل المجلس العسكري الوحيد لدمشق وريفها، وهذه المتغيرات هي:
1- تشكيل المجلس العسكري الوحيد لدمشق وريفها في منتصف شهر آذار/مارس الماضي، وتسليم قيادته العقيد الطيار “عمار النمر”، حيث ضم المجلس أكثر من ثمانين ضابطاً منشقاً عن قوات النظام السوري.
2- حل الأزمة الداخلية بين فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الإسلامية، بتنفيذ الأخيرة قرار القضاء الشرعي الموحد في الغوطة، وحل نفسها، وتسليم أسلحتها وذخائرها لفيلق الرحمن الذي كان قسم كبير من عناصره انشقوا وشكلوا فرعاً للحركة في الغوطة الشرقية.
3-القضاء على تنظيم “داعش” بشكل كامل، ومحاربته لعدة شهور في مناطقه.
4- حل جيش الأمة.
5- إصدار قرار منع تشكيل أي فصيل عسكري جديد في الغوطة الشرقية، وبالتالي اقتصرت القوى العسكرية في الغوطة الشرقية على جيش الإسلام، وفيلق الرحمن، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
وجميع هذه المتغيرات تؤكد تصريحات علوش بعد الزيارة، التي لا أحد يعلم حتى الآن كيف ذهب إليها، وكيف استطاع الخروج من سوريا.. ولكن هذا ليس السؤال الحائر فهناك طرقاً خاصة بهم آمنه له تمكنه من الذهاب إلى أي مكان.
كيف خرج من دوما
وأخيراً نتوقف على السؤال الحائر حول كيفية خروجه من دوما والتي تكشف لنا أيضاً علاقة علوش مع قوات النظام وعناصر تنظيمي “داعش والنصرة”، فرغم من أنها ليست هي المرة الأولى التي يخرج فيها “علوش” من وكره في دوما، بل كان قد سافر إلى السعودية عام 2013، إلا أنه لا توجد معلومات وافرة عن طرقات علّوش السرية، وإن توفّرت فلا يتم الكشف عنها لدى الجيش السوري، لكن ما يتوفر لدى مصادر سورية غير رسمية، يُشير إلى وجود ممرات في خاصرة الغوطة، تسمح بالدخول والخروج منها.
وذكر موقع “الحدث نيوز” أن الأكيد أن غطاءً تركياً – سعودياً – أردنياً، أعطي لزيارة علوش، وكان مظلة له لدى تلك الفصائل التي أمّنت عبوره من باب علاقتها مع تلك الدول بعد أوامراستخباراتية مباشرة، فمّر علوش عن تلك الحواجز بسلام ليصل إلى وجهته بهدوء.
وأما عن إمكانية عبور علّوش انطلاقاً من جنوب الغوطة نحو الشمال، أي سالكاً طرقات تؤدي به إلى حلب، فهو ضرباً من ضروب الغباء الأمني، خاصة وان الجيش السوري يمتلك نقاطاً واسعة هناك، كما أن تنظيم “داعش” عدو “علّوش” اللدود يتربّص بنواحٍ متفرقة من تلك المنطقة، ولو كان “الشيخ زهران” عبر تلك النقاط، لكان لقمة سائغة بيد أيدي “داعش” الذي سيعتبرها جائزة مجانية، ولول تمكنه من القبض عليه.
وعن توقعات عبوره من بلدة الضمير مثلاً، التي يمتلك الجيش السوري مناطق سيطر في محيطها، فهو مستحيل، كما أن طريق “الضمير – ميدعا – العتيبة” نحو الحدود الاردنية تعتبر منطقة أفخاخ تنتشر فيها كمائن الجيش وتشريكاته التي تفتك بمن يمر، وهي منطقة نشاط عسكري هام للجيش السوري لتأمين المنطقة من تلك الجهة.
والواضح أن علوش يمتلك أذرعاً أمنية موثوقة تؤمن عبوره وإيصاله إلى المناطق التي يريدها تحت طبقةٍ من الضجيج، فبينما كان الجميع منشغل بمعارك جماعته ضد “داعش” في شمال شرق دمشق، ظهر الرجل إلى جانب علماء دين في تركيا!.
والواضح أيضاً، أنّ نظرية الخروج من جنوب الغوطة والتوجه إلى تركيا عبر طائرة أردنية، هي النظرية الأقرب إلى العقل والتحليل المنطقي الوحيد الذي يوضح شيئاً من الصورة الضبابية التي رسمها “علوش” بخروجه من شرق العاصمة.
تقرير : منارة جمال-المحيط