المرحلة الانتقالية مصطلح يطلق عادةً على الفترة التي تلي التغيير السياسي في بعض الدول نتيجة الثورات أو الانقلابات العسكرية ويتم خلالها الانتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، وتقع بين اختيار مجلس أو هيئة حكم مؤقتة لإدارة مؤسسات الدولة خلال تلك الفترة، وبين قيام الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى وفق دستور دائم، وعادة ما تمتد هذه الفترة ما بين سنة إلى سنتين.
وتتألف المرحلة الانتقالية من فترة واحدة أو فترتين متتاليتين، وتبدأ عادة بتاريخ يتفق عليه سياسيًا بين الأطراف السياسية داخل الدولة، أو تفرض بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي (كما حدث في العراق بموجب القرار 1546 لعام 2004 الذي صدر تحت الفصل السابع من الميثاق) وتنتهي بتشكيل حكومة منتخبة بموجب دستور دائم، وغالبًا ما يحدد تاريخ نهائي لتشكيل هذه الحكومة. كما تتضمن فترة المرحلة الانتقالية تشكيل حكومة مؤقتة أو انتقالية أو الاثنين معًا لإدارة البلاد (بموجب إعلان دستوري) وانتخاب جمعية وطنية مهمتها وضع دستور دائم يتم التصويت عليه باستفتاء شعبي.
بالنسبة للقضية السورية لا يمكن القول حتى الآن إنَّ المرحلة الانتقالية قد بدأت، وليس معلومًا حتى اللحظة التاريخ الحقيقي لبدء هذه المرحلة، رغم كل الحراك السياسي والدبلوماسي والمفاوضات والبيانات والقرارات الدولية التي تنص على ضرورة إيجاد حل سياسي للنزاع في سوريا وفقًا للمرجعيات الدولية وعلى رأسها بيان جنيف الصادر عن “مجموعة العمل من أجل سوريا” في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2012، وما تبعه من مرجعيات أخرى تمثلت ببياني فيينا الصادرين عن “المجموعة الدولية لدعم سوريا” وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015.
النقطة الجوهرية الأساسية التي غابت عن جميع هذه المرجعيات الدولية والتي أدت إلى عدم تنفيذها حتى الآن هي عدم وجود رغبة جدية لدى الأطراف الفاعلة في القضية السورية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للتوصل إلى حل يفضي إلى تغيير حقيقي بسبب تقاطع مصالحها في سوريا والمنطقة بشكل عام، إضافة إلى عدم احتواء أي منها على جدول زمني محدد بتواريخ واضحة لبدء المرحلة الانتقالية وانتهائها، الأمر الذي فتح الباب أمام النظام وحلفائه للّعب على ورقة كسب المزيد من الوقت وتأجيل عملية الانتقال السياسي بذريعة إعطاء الأولوية لملفات أخرى تتطلب معالجة أكثر إلحاحًا مثل ملف مكافحة الإرهاب.
من يتابع بدقة ما يحدث خلف الكواليس بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا منذ مؤتمري فيينا أواخر عام ٢٠١٥ وتشكيل المجموعة الدولية لدعم سوريا يدرك بشكل قاطع أن هناك صفقة سرية جرى التوافق عليها حول الوضع في سوريا وأن باقي الأطراف في المجموعة ليسوا سوى “كومبارس” أو على الأكثر لديهم دور ثانوي مرسوم لا يمكنهم تجاوزه وأبرز دليل على ذلك “الفيتو” الذي تضعه الولايات المتحدة على جميع الأطراف في القضية السورية بعدم تزويد فصائل الجيش الحر بأسلحة نوعية كتلك المتعلقة بالدفاع الجوي المضادة للطائرات، أو السماح بإقامة مناطق آمنة لإيواء اللاجئين ورفض فرض حظر جوي على الطائرات التي تقتل العشرات من المدنيين يوميًا، وما وجود هذه الدول في مجموعة الدعم إلا للتغطية على الصفقات السرية التي يتم إبرامها بين اللاعبين الرئيسيين في ظل تطابق وجهات النظر حول بعض التفاصيل المتعلقة بدعم بعض المجموعات وتضخيم حجمها بذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير منحها دورًا سياسيًا في المستقبل يفوق حجمها الحقيقي.
من يريد الحل السياسي في سوريا عليه أن يدعم صيغة تفضي إلى تحقيقه لا أن يطلق العنان لقصف المدنيين وتجويع الأطفال وحصار المدن الآهلة بالسكان وقصف المشافي ومراكز الدفاع المدني والمخيمات التي لجأ إليها آلاف الهاربين من البراميل المتفجرة ويفتح الطرق لمشاركة المرتزقة والميليشيات من كافة أصقاع الأرض في الحرب الدائرة هناك، ويستخدم الفيتو داخل مجلس الأمن لمنع تمرير أي قرار يدين مثل هذه الممارسات اللاإنسانية.
حديث “بشار الأسد” الذي ألقاه في السابع من الشهر الجاري بمناسبة افتتاح مجلس الشعب الجديد وبدا فيه عصبياً وعلى درجة كبيرة من الانفعال والغضب واستخدامه عبارات بعيدة كل البعد عن الأصول الدبلوماسية، ووزع خلاله اتهاماته بالخيانة والإرهاب للمعارضة السورية وتأكيده على مواصلة الحرب ضد الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة بذريعة الإرهاب، معلنًا رفضه لأي عملية سياسية قد تجري في المدى المنظور إلا بناء على وثيقة المبادئ التي قدمها فريقه خلال مباحثات جنيف، وبذلك دق “بشار الأسد” آخر مسمار في نعش المرحلة الانتقالية المفترضة التي أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا “ستيفان ديمستورا” عن انطلاقها عدة مرات دون أن تبدأ بشكل حقيقي.
التجربة العراقية غنية بالدروس لمن يريد أن يفهم ما يتم تدبيره لسوريا خلف الكواليس من صياغة دستور يمهد للتقسيم وتغذية التناحر بين مكونات الشعب السوري، إلى تصنيع وتغذية الإرهاب من قبل العديد من القوى الدولية وحصره في مناطق معينة، وإلصاق تهمة الإرهاب بمكون معين دون غيره من المكونات، كما يحدث اليوم في العراق وسوريا وغض النظر عن جرائم الأطراف الأخرى بل ودعمها عسكريًا ولوجيستيًا.
عندما كانت الولايات المتحدة تمسك بزمام الأمور في العراق بشكل منفرد أصدر مجلس الأمن الدولي في الثامن من حزيران 2004 القرار رقم 1546،حدد فيه أسس المرحلة الانتقالية بجداول زمنية واضحة غير قابلة للتجاوز ، فنص على تشكيل حكومـة مؤقتـة ذات سـيادة تتـولى مسـؤولية الحكـم والسـلطة بحلول 30 حزيران 2004، وإجــراء انتخابــات ديمقراطيــة مباشــرة بحلــول 31 كــانون الأول/ ديســمبر 2004، أو في موعــد لا يتجــاوز بــأي حــال مــن الأحــوال ٣١ كــانون الثـاني/ ينـاير 2005 لتشـكيل جمعيـة وطنيـة انتقاليـة، تتـولى جملـة مسـؤوليات منـها تشـكيل حكومـة انتقاليـة للعـراق وصـياغة دسـتور دائـم تمهيـدًا لقيـام حكومـة منتخبـة انتخابًا دستوريًا بحلول 31كانون الأول 2005.
بهذا القرار وضع مجلس الأمن جميع الأطراف أمام مسؤولياتهم لتنفيذ الانتقال السياسي وفق للجدول الزمني الذي تضمنه القرار دون السماح بتجاوز أي بند من بنوده، وبناء عليه تمت عملية الانتقال السياسي رغم الوضع الأمني الصعب الذي كانت تمر به البلاد حينذاك، وهنا لا بد أن نسجل تحفظنا على العديد من مفاصل هذه العملية لأنها كانت تهدف إلى خدمة مصالح الاحتلال وتثبيت المحاصصة الطائفية والعرقية التي يدفع العراقيون ثمنها من دمائهم حتى هذه اللحظة.
إذًا، أي مفاوضات أو محادثات تجري برعاية المجتمع الدولي لإنهاء الصراع في سوريا لن يكتب لها النجاح ما لم تتوفر الإرادة الدولية الصادقة لوقف شلال الدماء الذي يجري يوميًا، وتعزيز إجراءات بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة والوقوف إلى جانب حقوق الشعب السوري في تقرير مصيره، ووضع القوى الدولية مصالحها جانبًا أمام مصالح السوريين على الأقل لحين إنهاء الحرب والبدء بعملية انتقال سياسي حقيقية بعيدًا عن الأوهام التي توزعها الولايات المتحدة وروسيا على بقية أعضاء المجتمع الدولي، وتغليب لغة العقل على لغة المصالح التي تحكم سلوك هذه الأطراف في القضية السورية، عندئذ يمكن تصور بدء مرحلة انتقالية تقود إلى تغيير حقيقي يتناسب مع طموحات وتطلعات الشعب السوري.
د. وسام الدين العكلة – خاص ترك برس