بعد أن التحق المعلم السوري أسامة بمدرسة الإخاء في مدينة أورفا التركية، قفز دخله الشهري ستة أضعاف، إلى 225 دولاراً، بعدما كان لا يتجاوز 30 دولاراً حين كان يعلم في مدرسة غياث مطر السورية، التي يمولها متطوعون في مدينة أورفا التركية. يشعر أسامة بالإطمئان بعد أن ابتعد ولو مؤقتا، عن حظ زملائه العاثر في المدارس العشوائية السورية في تركيا.
“وقعت بين نارين، معيشتي من جهة وطلابي الذين تعلقوا بي من جهة أخرى”، هكذا يلخص أسامة قصتّه، التي بدأت حين ترك مدرسة “غياث مطر” (الإعدادية/ الثانوية) غير المستقرة ماليا والتي أسست بيد متطوعين سوريين في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2013.
يشتكي المدرس الحاصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء من وضعه السابق قائلاً: “كانوا يصرفون لنا 200 ليرة تركية (90 دولاراً) عن ثلاثة أشهر، بينما أدفع 550 ليرة (250 دولاراً) شهرياً بدل سكن، غير المصاريف”. ويؤكد رب الأسرة المؤلفة من ثلاثة أبناء أن “هذا المبلغ لا يستحق الذكر”.
لم يكن أسامة أول المستقيلين من المدارس السورية التطوعية، القائمة على متبرعين، وأساتذة لا يتقاضون سوى مكافآت متقطعة إن وجدت. إلا أنه لن يكون الأخير إن بقي الحال على ما هو عليه، كما يكشف استبيان أجراه معد التحقيق في مدينة أورفا؛ ملجأ 500 ألف سوري، بين عينة شملت 67 مدرساً سورياً في ثلاث مدارس “تطوعية” (بلا حدود، البهاء، عبيدة الحمود). تضم المدارس قرابة 1500 طالب وطالبة من بين 100 ألف لاجئ سوري في سن التعليم توافدوا إلى أورفا وريفها، مذ شردتهم الحرب في بلادهم قبل أكثر من أربع سنوات.
وتحتضن تركيا نصف مليون سوري في سن الدراسة، أي ربع عدد اللاجئين السوريين في البلد الذي تنتشر فيه 250 مدرسة مخصصة للسوريين، وفق تقديرات الحكومة التركية. واحد فقط من كل خمسة أطفال يلتحق بالمدرسة.
يظهر الاستبيان بأن 46% من المدرسين يؤيدون ترك مهنة التعليم لو توافر لهم عمل آخر بأجر ثابت، لانعدام هذا الشرط في تلك المدارس. ويعمل داخل الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام نحو 20 ألف مدرس، فيما يقدر عددهم داخل الأراضي التركية بنحو 5 آلاف مدرس.
لامبالاة
على مدى عشرة أشهر من التقصي في ثماني مدارس بمدينة أورفا، توصّل معد التحقيق إلى أن جميعها (سرين 1، سرين-2، بلا حدود، البهاء، الإخاء، عبيدة الحمود، الفجر، غياث مطر)، والتي تضم أكثر من 3500 طالب و200 مدرس، لا تخصص أجراً شهرياً لمدرسيها، باستثناء “مكافآت” ضئيلة تتفاوت من مدرسة لأخرى. تأتي الأجور إما من متبرعين، منظمات إغاثة أو مؤسسات دينية ومنظمات دولية، ما جعل البحث عن عمل مستقر أهم أولويات هؤلاء المدرسين، فيما وثق غياب قواعد وأنظمة لتأسيس المدارس التطوعية داخل الأراضي التركية، بينما تفرض وزارة التربية والتعليم التابعة للنظام السوري، 67 مادة يتخللها أكثر من 150 بندا، كشروط لترخيص المدارس الخاصة ورياض الأطفال داخل سورية.
خمس من المدارس الثماني في أورفا لا تخضع لأي قانون تعليم. فهي غير مرخصة ولا تتبع لأي جهة رسمية؛ تركية كانت أم سورية، فيما تخضع الثلاث المتبقيات لقانون التعليم التركي (سرين1، سرين2، بلا حدود). كما أن امتحانات الشهادة الإعدادية غير موحدة؛ فكل مدرسة تضع نموذجاً بنفسها، بعكس الداخل السوري الخاضع لسيطرة النظام، وسط لامبالاة وزارة التعليم التركية، وموسمية الجهات المانحة، وتواكل وزارة التعليم في الحكومة السورية المؤقتة.
طلبة لا يجيدون الحساب والقراءة
في مدرسة البهاء، التي تستوفي رسوماً رمزية من الطلبة قدرها نحو 50 ليرة تركية شهرياً (22 دولاراً أميركياً)، أجرى معد التحقيق اختبار قدرة لـ 15 طالباً في الصف الثالث لقياس قدراتهم التعليمية في غياب الاستقرار الوظيفي للمعلمين ونقص أعدادهم، كانت المفاجأة أن طالباً وحيداً نجح في اختبار القدرة، وفي مدرسة (البهاء) التطوعية في أورفا في مارس/آذار الماضي أخضع بشكل عشوائي 15 طالباً في الصف الـثالث الابتدائي لاختبار قدرة مكتوب جهّز محتواه خبير تربية وتعليم بخبرة عشر سنوات في مدارس حلب الابتدائية.
يرى الخبير التربوى السوري محمد صالح، الذي يحمل بكالوريوس تربية، أن الاختبار بسيط، أمام الطالب الذي يدرس مناهج وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.
بعد انتهاء الاختبار الذي استمر نصف ساعة، كانت النتيجة الصادمة، (تسعة من 15 طالبا، لم يجيبوا على العملية الحسابية 6÷3=…، و طالب واحد من الستة المتبقين، أجاب بشكل صحيح، وبالتالي طالب واحد فقط، اجتاز الاختبار بنجاح كامل.
المنهاج السوري المعدل
في المدارس الثماني التي أجري التحقيق عليها، يدرّس المنهاج “السوري المعدّل”، الصادر عن وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، الذي يوزّع بالمجان. وضع هذا المنهاج أواخر 2013 “للتخلص من كل ما يعود للنظام وأتباعه”، بحسب الدكتور عبد الرحمن كواره المدير التنفيذي للهيئة السورية للتربية والتعليم، في لقاء عبر قناة الآن الفضائية.
وتوصل معد التحقيق إلى أن نصف المدارس الثماني غير مستقر مادياً، إذ أسست على يد متطوعين سوريين ولا يوجد لها مرجعية إدارية. كما يمول اثنتين منها (غياث مطر، الأخاء) “متبرعون سوريون ومصادر خاصة”. والاثنتان الأخريان (عبيدة الحمود، البهاء) تجمعان “رسوما رمزية” من الطلبة، (50 ليرة تركية/ 21 دولاراأميركيا) تدفع لمرة واحدة في المدرسة الأولى، والثانية يدفع ذات الرسم شهرياً.
أما الأربع المستقرة، فإن منظمة اليونسيف للطفولة تموّل اثنتين منها، والثالثة يمولها الوقف التركي، فيما تكفل الرابعة منظمة عطاء “السورية” للإغاثة والتنمية الممولة من عدة مؤسسات عربية. وجميع المدارس المستقرة تتبع وزارة التعليم التركية إدارياً، إلا الأخيرة.
فتش عن الحكومة المؤقتة
يحمّل 73% من المدرسين الذين شملهم الاستبيان الحكومة السورية المؤقتة (مقرها مدينة غازي عنتاب التركية) المسؤولية عن عدم دفع رواتبهم وإهمال حقوقهم. ووفقا لما وثقه معد التحقيق عبر إجابات المدرسين المشاركين في الاستبيان، فإن صفة “متطوع” (بلا حقوق رسمية) لازمت المدرس السوري، في جميع المدارس السورية بأورفا، التي يطلق عليها “تطوعية”. وهي تقسم إلى نوعين: “رسمية” تتبع “إدارياً” وزارة التعليم التركية بشكل مباشر، ويمولها الوقف التركي واليونيسيف. و”غير رسمية” بلا تراخيص أو مرجعية إدارية، أسسها متطوعون سوريون، بدعم من متبرعين ومنظمات إنسانية. ومنها ما تمول نفسها ذاتياً بفرض رسوم “رمزية” على الطلبة.
خلال البحث الميداني، تبين لمعد التحقيق أن المدارس السورية في أورفا لا ترتبط بأي صلة رسمية مع وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، إذ لم تشارك في تأسيس أي منها. هذا الأمر ينسحب على سائر المدارس في عموم الأراضي التركية، وفق مدير التربية في الحكومة السورية المؤقتة “عزام خانجي”. فيما تنوعت مصادر تمويل تلك المدارس، وفق متابعات معد التحقيق بين مؤسسات دينية تركية، منظمات إنسانية ودولية، تبرعات شخصية أو رسوم رمزية فرضت على الطلاب.
مشاكل الدعم
رغم تخصيص مكافآت شهرية، فإن أنس عوف نائب مدير إحدى مدارس ” بلا حدود” الممولة من الوقف التركي وتتبع “إدارياً” وزارة التعليم التركية، يراها غير كافية مقارنة بالمدرّس التركي، الذي ينال أجرا يزيد 10 % عن نظيره السوري، كما يرتبط بعقود عمل رسمية.
يكفل الوقف التركي، الذي لا تنقصه الإمكانات المادية، بحسب عوف، مدرسة “بلا حدود”، التي أسسها متطوعون سوريون في إبريل/ نيسان 2014، ثم توسعت في فبراير/ شباط 2015 لتصبح أربع مدارس، تشمل جميع المراحل التعليمية، كما يقول عوف. إذ يقدم الوقف للمدرس، 8.5 ليرة تركية (3.5 دولار) عن كل ساعة عمل، وذلك تحت بند “المكافآت”. فيجني المدرس السوري 650 – 800 ليرة (270-330 دولار) مقابل 80- 95 ساعة عمل شهرياً. هذه المعادلة لا تنطبق على مدرسي اللغة التركية “الأتراك” الذين يتقاضون 9.5 ليرة تركية في الساعة (أربعة دولارات) ويحصلون على ضعف ساعات العمل كحد أدنى أي 160 ساعة شهرياً، إضافة إلى تأمين صحي وتعويض نهاية الخدمة، إلى جانب راتب تقاعدي. والأهم من ذلك تشغيلهم بعقود عمل رسمية.
بالمقابل، يوقّع المدرّس السوري عقدا شكليا “عقد التزام أخلاقي”، مع وزارة التعليم التركية التي تكفل المدارس إدارياً. وينص العقد على أن “العمل تطوعي”، وليس هناك ما يلزم الطرف الأول تجاه الثاني؛ أي لا يوجد تأمين صحي أو راتب من الوزارة. ويتم الاكتفاء بالمنح، التي لا يهم أيا كان مصدرها.
كما لا يحق للمدرس الاعتراض أو المطالبة بتعويضات، في حال تم الاستغناء عن خدماته “التطوعية”. حصل ذلك لـ 25 مدرسا فصلوا من مدرسة “بلا حدود” ضمنيا في التاسع من شهر فبراير/شباط من العام 2015 دون إبداء الأسباب. إذ أبلغوا مع نهاية الفصل الدراسي الأول، بأن يلتحقوا بعد تسعة أيام، بالفصل الدراسي الثاني، شريطة الاتصال بهم. لكن ذلك لم يحصل؛ فهناك مدرسون جدد أخذوا مكانهم، وفق مسؤول إداري في المدرسة طلب عدم ذكر اسمه. كذلك، فرضت وزارة التعليم، تعيين مدير تركي “منسق ارتباط”، في مدارس “بلا حدود” تكفلت بأجره الشهري 3000 ليرة (1250 دولاراً)، ونائب سوري يتلقى أجره من الوقف التركي 850 ليرة (350 دولاراً).
أوضاع المدارس العشوائية بائسة
أجرى معد التحقيق مقارنة بين المدارس السورية الثلاث “بلا حدود، البهاء، عبيدة الحمود” من جهة، ومدرسة نينوى العراقية الخاصة التابعة لوزارة التربية العراقية من جهة أخرى، التي افتتحت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014 بمدينة أورفا، واستقطبت 17 مدرسا سوريا مختصا، جميعهم من حملة الشهادة الجامعية، من بينهم أسامة الذي تبدلت أحواله، بعد أن بات يتقاضى 1400 ليرة تركية (635 دولارا) كراتب شهري ثابت.
تظهر المقارنة أن المدارس الثلاث “التطوعية” لا تخصص لمدرسيها سوى مكافآت، وصلت إحداها إلى 330 دولاراً شهرياً كحد أعلى، وأخرى 160 دولارا شهريا، فيما خصصت ثالثة 600 دولار في العام الدراسي كاملا.
في مدرسة بلا حدود يوجد 620 طالبا يجلس كل 3-4 في مقعد، بينما يتجاوز عدد الطلاب الكلّي 850 طالبا لمدرستي البهاء وعبيدة الحمود. في الوقت ذاته يغص مقعد واحد، أحيانا، بثمانية طلاب في مدرسة عبيدة الحمود. بالمقابل هناك مقعد لكل طالب في “الخاصة” التي لم يتجاوز عدد طلابها 75، وتشغّل مدرسين يعمل كل منهم ضمن اختصاصه مقابل 400 دولار شهرياً كحد أدنى.
جميع هذه المدارس تضم مدرسين لم يسبق لهم العمل في مجال التعليم، أو يعملون في غير اختصاصاتهم (نسبتهم في الثلاث مدارس بين 7- 39 %)، وفقا لما أظهره الاستبيان.
مساعدات خجولة
في فبراير/ شباط 2014، طبعت وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة السورية المؤقتة، مليوني كتاب مدرسي مجاني كخطوة أولى، لجميع المراحل الدراسية، لتغطية احتياجات 200 ألف طالب، بنسبة 80 % لمدارس الداخل السوري “المحررة” و 20 % للمدارس السورية في بلدان الجوار، وفق الدكتور عبد الرحمن الحاج مستشار رئيس الحكومة المؤقتة للتربية والتعليم. كما أعلنت الحكومة المؤقتة عبر صفحتها الرسمية بتاريخ 28 مارس/آذار 2014 عن صرف مليون ونصف المليون دولار خلال ستة أشهر، رواتب “للمدرسين العاملين في المحافظات السورية”.
غير أن الحكومة صرفت مليون دولار فقط من المبلغ المصرح به على شهر واحد، حسبما يقر مدير التربية عزام خانجي في مقابلة مع “العربي الجديد”.
“عندما صدر القرار أشرت في الوزارة إلى أن المبلغ غير كاف ليوزع على ستة أشهر، لـ 20 ألف مدرس في الداخل، إذ سيكون نصيب المدرس 10 آلاف ليرة سورية (50 دولارا)” وبالتالي سيحتاجون وحدهم ستة ملايين دولار في ستة أشهر. وهكذا وزِعت دفعة واحدة في بعض المحافظات، وفي أخرى وزعت على دفعتين، بواقع 5000 ليرة سورية (25 دولارا)”.
ويبرر تخفيض المبلغ، بأن “بعض المناطق لم يتبق فيها مدارس، جرّاء المعارك الدائرة”. لكنه يقر بالتقصير، لعدم الإعلان عن تخفيض المبلغ، قائلا: “خطأ غير مقصود”. ويضيف خانجي: “يسأل البعض ماذا حصل ببقية المبلغ؟ ونقول حصل مشروع التعويض الصيفي”، في إشارة إلى “دروس مجانية في مختلف المواد، استمرت لشهرين ونصف الشهر، بدءا من يوليو/ تموز 2014. استهدف هذا المشروع الطلاب الذين فاتتهم سنوات دراسية ولاجئين جدداً.
مسؤول متابعة مديريات التربية في سورية نور الدين محاميد يقدر عدد المستفيدين من المشروع بـ 41700 طالب في تركيا ولبنان والداخل السوري. في ذات الوقت، صدرت موافقة على دعم المدارس المتعثرة في تركيا ودول جوار سورية، بـ 100 ألف دولار شهرياً لمدة أربعة أشهر. كما أصدر مجلس وزراء/ الحكومة المؤقتة خلال اجتماعيه الدوريين في 22 / 05 / 2014 و 04 / 06 / 2014 قرارا بتخصيص 200 ألف دولار (مبلغ واحد لجميع المدارس) لاستكمال دعم المدارس المتعثرة في تركيا.
رغم تعثر معظم المدارس في أورفا، إلا أن مدرسة (غياث مطر)، الوحيدة التي حصلت على مبلغ 7600 ليرة (3450 دولارا) كإيجار مبان عن أربعة أشهر، وذلك بتاريخ 22 أبريل/نيسان 2014.
بلا رقابة
المتطوعة كندة الراوي مديرة مدرسة “الشهيد غياث مطر”، أوقفت مع بداية 2015 عن عملها، كممثلة لوزارة التربية والتعليم في أورفا، لأسباب تجهلها. ترى كندة في أن “التعليم دون دعم حكومي قد يستمر، لكن بشكل عشوائي”. تتابع بحسرة: “الأهم غياب الرقابة على هذه المدارس، وعند انعدام المكافآت لا يأتي سوى المدرس الذي يمتلك مصدر دخل آخر، وبذلك نضطر لغض النظر عن الشهادة التي يحملها المدرس”.
تؤكد كندة أن المدارس التطوعية خسرت عديد كفاءات، لعدم تخصيص أجور ثابتة. منها مدرستها التي تركها ستة مدرسين مختصين، خلال الـ5 أشهر الأولى من انطلاق المدرسة. أخبرها أحدهم آنذاك: “أفضل العمل في تحميل الحجارة على أن أبقى متطوعا”.
إضراب
بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول من العام 2014، أضربت مدرستان في مدينة أورفا (الإخاء وعبيدة الحمود) احتجاجا على “تقصير الحكومة المؤقتة تجاه المدارس المتعثرة والمدرسين الذين لا يحصلون على أجور”. المدرسة أم تحسين عملت في مدرسة “عبيدة الحمود”، اعتصمت مع تلاميذها أمام المدرسة للمطالبة بدفع الأجور.
رغم أن مدرسة (عبيدة الحمود) تتقاضى رسوما من الطلبة البالغ عددهم 420، لكنها لا تكفي لتغطية إيجار البناء، وفق مديرها “زياد مهيدي” فهي رمزية، إذ لا تتجاوز 50 ليرة تركية، وتدفع لمرة واحدة، لافتا إلى وجود “نسبة كبيرة من الطلاب لا يستطيعون دفع الرسوم، فترفع عنهم”.
إهمال ووعود في الهواء
في مارس/آذار 2014 ، أكد إياد القدسي نائب رئيس الحكومة السورية المؤقتة في تصريح صحافي، نشر على موقع الحكومة السورية المؤقتة “أن لدى الحكومة خطة لدعم كل المدارس الموجودة في تركيا، وتم البدء بالمدارس التي لديها مشاكل في دفع التكاليف وليس في رواتب مدرسيها”. إلا أن أحمد القاسم، مدير مكتب الحكومة المؤقتة في أورفا، يحمل رأيا مغايرا: “تلك المدارس قطاع خاص ولا تتبع بشكل فعلي للحكومة المؤقتة، فهي تتبع للجهات الداعمة وهي مسؤوليتهم”.
ويرى القاسم أن جميع الأطراف “مسؤولة عن التقصير” وحمّل “وزير التربية السابق محيي الدين بنانه الجزء الأكبر من المسؤولية، لتقصيره الإداري”.
اكتشف معد التحقيق أن مكتب التربية والتعليم لا يملك أي مخصصات أو ميزانية، وأن مكتب الحكومة المؤقتة في أورفا، يراسل وزارة التربية والتعليم منذ ديسمبر/ كانون الأول 2014، لحل إشكاليات عالقة، ولكن دون نتيجة.
في 17 مارس/آذار من العام 2015، أصدر رئيس الحكومة السورية المؤقتة قراراً يقضي بإغلاق المكاتب التابعة لحكومته في مدن تركية، دون ذكر الأسباب. وأكد مصدر خاص “في الائتلاف الوطني السوري” فضّل عدم ذكر اسمه، أن السبب الرئيسي وراء إغلاق مكاتب “اسطنبول وأورفا وماردين وهاتاي هو عجز الحكومة المؤقتة، عن تغطية رواتب موظفيها ونفقات تلك المكاتب، البالغة 72000 دولار شهريا. وبهذا حُل مكتب أورفا، ولم تحل أي من تلك المشاكل.
8 ملايين يورو إجمالي مخصصات التعليم منذ 2013
صباح 25 مارس/ آذار 2015، قصد معد التحقيق مدينة غازي عنتاب التركية، لمقابلة وزير التربية والتعليم عماد برق. بعد انتظار أزيد من نصف ساعة في اليوم التالي في غرفة استقبال صغيرة، قوبل الطلب بالرفض، “لأسباب تخص الوزير”، وفق مديرة مكتبه، على الرغم من تأكيدات معد التحقيق على أهمية اللقاء وضرورة الحصول على إجابات رسمية، توضح الصورة الضبابية.
صباح يوم 27 مارس/آذار، كُررت المحاولة، ولكن بلا نتيجة. وبناء على نصيحة مكتبه، اتجه معد التحقيق نحو مكتب مدير التربية عزام خانجي في ذات المبنى.
“لسوء الحظ مدير التربية سافر إلى إسطنبول، ويعود بعد عدة أيام”، هكذا كان جواب مدير مكتبه. بتاريخ 31 مارس/ آذار، التقى معد التحقيق مع عزام خانجي. وسأله عن سبب عدم تخصيص أجور للمدرسين في تركيا، على غرار مدرسي الداخل السوري، الذين خصص لهم مبلغ 1.5 مليون دولار على مدى ستة أشهر. فرد بالقول: “إجمالي المبالغ التي قدمت للحكومة المؤقتة منذ انطلاقها في عام 2013، 50 مليون يورو فقط، وما خصص لوزارة التربية والتعليم ثمانية ملايين فقط، ولو خصصت كامل ميزانية الحكومة المؤقتة، لوزارة التربية، لن تسد الحاجة”.
ويؤكد “خانجي” أن المبلغ التقديري لاحتياجات التعليم السنوية للطلاب السوريين، في المناطق المحررة داخل سورية وفي دول الجوار، متضمنة طباعة الكتب المدرسية، ومنح مالية شهرية للمدرسين، وإعادة تأهيل المدارس، 90 مليون دولار أميركي.
يؤكد خانجي أن “المدارس تحت الإشراف التركي المباشر (وزارة التعليم الوطني)، فيما دور وزارة التربية والتعليم (في الحكومة المؤقتة) أدبي أخلاقي”.
فيما يحمّل خانجي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مسؤولية إهمال التعليم. قائلاً في تصريحات خاصة لـ “العربي الجديد”: “تواصلنا مع المنظمات الدولية المشهورة، جميعهم يقولون كلاماً طيباً باستعدادهم للتعاون، لكن في النهاية، هم يريدون أخذ المعلومات وينفذون مباشرة مع المدارس”.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل عام 1990، في الفقرة (2) مادة (28) على أنه: “تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة كافة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتماشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية”.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، شرعت وزارة التعليم الوطني التركية بضم مدارس سورية إليها تباعاً، لتغدو جميعها تحت رعايتها “إدارياً”. لكنها تجاهلت الجانب المادي، إذ لا تزال المدارس كما بدأت، تبحث عمن يكفلها مادياً، علّه يغطي نفقاتها، ويسد حاجة مدرسيها، قبل أن يقتفوا أثر المعلم السوري أسامة، الذي حالفه الحظ، أخيراً، بعد أن كاد يفقد الأمل؛ وترك مدرسته التي كان يعمل بها، فكانت مدرسة نينوى العراقية، طوق النجاة، فيما أغلقت مدرسة “عبيدة الحمود” التي كان يعمل فيها في السابق، في مارس/ آذار 2015، بعد عجزها عن تغطية نفقاتها، وكفالة طلابها.
العربي الجديد