– تبدو روسيا في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري لأسباب عديدة
– زيارة ظريف لدمشق تؤكد أن ثمة أمر بين الطرفين لا يريد كلاهما أو أحدهما اطلاع الطرف الروسي عليه
– جائحة كورونا وعاصفة أسعار النفط ربما دفعت موسكو للبحث عن سبيل للخروج من الأزمة السورية
أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سوريا، تنبأ فيه بتوافق تركي أمريكي روسي إيراني على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و”قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
منظمة روسية تطلق على نفسها اسم “صندوق حماية القيم الوطنية” مقربة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلادمير بوتين، تجري استطلاعا للرأي العام في سوريا !. وبغض النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإن الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: الشعب السوري لا يريد الأسد.
حرصت موسكو، منذ بداية تدخلها العسكري في سوريا، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد، تارة من خلال إعلانها أن هدف تدخلها إنما جاء لإنقاذ مؤسسات الدولة السورية، وتارة أخرى من خلال تصريحات مسؤولين روس كانوا على الدوام حريصين في المؤتمرات الدولية الخاصة بسوريا، جنيف وأستانا وغيرها، على القول بأن “الشعب السوري هو من سيقرر بقاء الأسد من عدمه”.
** أسباب تخلي الروس عن الأسد
تبدو روسيا في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أن الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو.
السبب هو تحول النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بميليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه الذي بات خاضعا في قراراته لابتزاز تلك الميليشيات.
ولقد باءت جهود الروس في إصلاح جيش النظام بالفشل، بسبب حجم الفساد المستشري في جميع مؤسسات النظام، مما جعل منه شريكا عاطلا لا يقوم بأي دور، ولا يعول عليه في مهمة، مقابل ثمن اقتصادي وسياسي ثقيل، كلف موسكو استخدام حق النقض “الفيتو” 12 مرة.
هناك خشية فعلية لدى موسكو من سقوط النظام تلقائيا، بسبب إفلاسه على كافة الأصعدة، وقد تؤدي هزة بحجم جائحة كورونا إلى انهياره في ظل عجز روسيا وإيران عن إنقاذه اقتصاديا.
خطر آخر يؤرق موسكو؛ يتمثل بالخوف من سطوة وسيطرة أسماء (زوجة بشار الأسد) الأخرس، التي باتت تشكل مركز ثقل حقيقي داخل النظام، وأصبحت قوة تملك ظهيرا خارجيا وبعدا دوليا، حيث تحمل أسماء ووالدها وعائلتها الجنسية البريطانية، مما يجعل مهمة الروس في دمشق غاية في الصعوبة، وقد يفقدوا جميع مكاسبهم في سوريا خلال فترة قصيرة.
وسائل إعلام روسية، وجّهت انتقادات حادة لسياسات الأسد بشأن التعامل مع ملف “اللجنة الدستورية”، وتصريحاته الهجومية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و اعتبرت وكالة “تاس” الروسية، أن الأسد يسعى إلى تعطيل عمل اللجنة الدستورية، لأنه لا يرغب بالوقوف أمام استحقاق الانتخابات الرئاسية.
لم تكن روسيا يوماً مُصرّة على بقاء بشار الأسد، بل بعثت برسائل كثيرة، من خلال تسريبات أظهرت الأخير في حالات مهينة، كاستدعائه إلى موسكو بطائرة عسكرية، واستقباله كموظف عادي دون أي اعتبار له كرئيس دولة.
أيضا منع الضابط الروسي في قاعدة “حميميم” بشار الأسد من التقدم باتجاه الرئيس بوتين، ودخل وزير الدفاع الروسي قصر الأسد دون علم الأخير بالزيارة أصلا، وحوادث أخرى سربها الروس أنفسهم، للتدليل على استعدادهم للتخلي رأسا عن الأسد، من خلال صفقة مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة بالموضوع السوري.
ويعتبر الروس مسألة المصالحات خطوة استراتيجية مهمة نجحوا فيها، كان بالإمكان البناء عليها وتعميمها في جميع أنحاء سوريا، حيث كانوا يعولون على النظام في إدارة ملف مناطق المصالحات بطريقة أكثر نجاعة، وبأسلوب يكفل إعادة تلك المناطق للنظام.
لكن ما حصل عكس ذلك، إذ لا تزال حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن سيدة الموقف في تلك المناطق التي تدار بطريقة مليشياوية صرفة.
خلاصة المشهدُ السياسي العام تشير إلى استياء غير محدود من بشار الأسد ونظامه، فالمقالات والتقارير الصحفية واستطلاعات الرأي، تشير إلى شك روسي بأن الأسد ليس فقط غير قادر على الاستمرار في حكم سوريا، بل إنه يسير بموسكو خطوة بخطوة نحو السيناريو الأفغاني المؤرق لها.
** أسباب التمسك الإيراني
زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مؤخرا، لدمشق، فاجأت جميع المراقبين والمتابعين للشأن السوري.
فمن الصعوبة بمكان تخمين السبب الذي دفع النظامين السوري والإيراني لكسر الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، من أجل تحقيق لقاء وجاهي فيزيائي يقف فيه الأسد وظريف وقفة فريدة غير معهودة في الآونة الأخيرة !.
لا بد من التأكيد على أن حرص الطرفين أو أحدهما على اللقاء الفيزيائي له أسبابه المجبرة، حيث لم تكن الاستعاضة عنه بنوع من اللقاءات الافتراضية ممكنة، في ظل رقابة صارمة مؤكدة تشمل جميع وسائل التواصل على اختلاف تقنياتها.
ومما لا شك فيه أن سبب الزيارة هو غير ما أعلنته الرواية الإيرانية عن دراسة العلاقات الثنائية، والتطورات الإقليمية، وآخر المستجدات في الساحة الدولية، إذ من الواضح أن ثمة أمر بين الطرفين لا يريد كلاهما أو أحدهما اطلاع الطرف الروسي عليه!.
ثمة تضاد استراتيجي وتعارض في المصالح بين روسيا وإيران في سوريا، فبينما تسعى موسكو إلى تحقيق نوع من الاستقرار في سوريا بعد عجزها عن الحسم العسكري، تقف طهران على النقيض من ذلك.
إذ لا مصلحة لطهران التي تعاني من حصار أمريكي خانق في حصول استقرار ليس في سوريا وحدها بل في عموم المنطقة، لأنها تراها ساحة مواجهة مع واشنطن.
وبينما تبدي موسكو استعدادها لمقايضة رأس الأسد باتفاق يضمن مصالحها في سوريا، تبدو طهران مستعدة للتضحية بآخر سوري من أجل بقاء الأسد في السلطة.
ولأن بشار لا يستطيع قول لا للروس، فإنه يسمعهم ما يريدون سماعه، لكنه في المحصلة ينفذ ما تقوله طهران.
أما الأمر الآخر الذي يقلق الأسد وطهران على السواء، فهو تداعيات جائحة كورونا، بعبئها الطبي والاقتصادي، حيث تعاني مستشفيات النظام من إفلاس تام، وليس لدى وزارة صحة الأسد أي خطة أو إمكانية للتعاطي مع هذه الجائحة التي بدأت بوادرها بالظهور في العاصمة دمشق، لكن ما بوسع طهران تقديمه للأسد، وهي التي احتلت مركزا متقدما في تفشي المرض، وفشلت فشلا ذريعا في التعاطي مع الجائحة.
ما يجمع طهران ودمشق خشية الطرفين من اتفاق تركي روسي يحظى بمباركة أمريكية.. هذا ما يقلق طهران بالدرجة الأولى، لذلك دعت لعقد اجتماع عاجل لشركاء أستانا، رغم أن تركيا وروسيا تديران عملية أستانا بمعزل عن إيران.
حاول الطرفان، نظام الأسد وايران، بشتى الوسائل، إفشال الاتفاق التركي الروسي حول إدلب، مما اضطر موسكو لإرسال وزير الدفاع سيرغي شويغو إلى دمشق، كي يحذر النظام من مغبة إفشال اتفاق وقف إطلاق النار، التركي الروسي.
** سيناريوهات تقلق دمشق وطهران
جائحة كورونا وعاصفة أسعار النفط ربما دفعت الطرف الروسي للبحث عن سبيل للخروج من الأزمة السورية.
وتعمل موسكو على توليفة تجمع بين خيارين في غاية الصعوبة والتعقيد، أولهما: أن تقبل القوى الموجودة على الساحة السورية بمناطق نفوذ بعضها البعض، وتبقى سوريا منقسمة على هذا الأساس إلى ثلاث مناطق للنفوذ والسيطرة.
الأولى تحت حماية طهران وموسكو، والثانية منطقة سيطرة المعارضة السورية بدعم من أنقرة، والثالثة منطقة شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة واشنطن وميليشيات “قسد”.
أما السيناريو أو الخيار الثاني، فيقضي بانسحاب كامل لجميع القوات الأجنبية، وتوحيد البلاد بعد تحقيق تحول سياسي يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ما يعني تنحي الأسد ووقف إطلاق النار بشكل تام على مستوى سوريا.
لا شك بأن هذا الخيار أقل تكلفة لجميع الأطراف، فهو يقوم وفق الرؤية الروسية على حلول وسط للهدف المشترك وهو وحدة أراضي سوريا، على عكس الخيار الأول “المحفوف بالمخاطر”.
كما أنه يحقق رغبة الجانب الأميركي الذي يريد فترة استقرار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة له، ويخدم هدفه الأساسي المتمثل في إبعاد إيران، وإبقاء الوضع على ما كان عليه قبل عام 2011.
بمقدور موسكو صياغة توافقات مع الأطراف الفاعلة تتضمن الجانب التركي أيضا، فأنقرة أعلنت مبكرا رغبتها في رحيل الأسد، وكان لها خطاً أحمر بشأن مليشيات “ب ي د”، فإذا ضمنت موسكو إبعاد تلك الميليشيات وإخراجها إلى ما بعد خط 32 كيلومتر حسب اتفاق “سوتشي”، فلن تعترض أنقرة على مثل هذا السيناريو.
قناة “روسيا اليوم” ترجمت مقالا نشرته صحيفة “زافترا” المحلية، ينتقد تصريحات الأسد ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث جاء في المقال: “لا يمكن بأي حال من الأحوال تقبل مثل هذه التصريحات التي أطلقها ضد الرئيس التركي، وضد تركيا التي تنسق مع روسيا، وخصوصا أن موسكو لعبت الدور الأساسي في حماية كرسي الأسد وحكمه”.
وقف إطلاق للنار وتهدئة تسعى موسكو لديمومتها، يقابلها حرص إيراني على التصعيد وخلط الأوراق، فهل بدأت موسكو بالانفصال عن إيران في سوريا حفاظا على مصالحها؟
نقلا عن: الأناضول