اللغة العربية لغة متجذّرة في عمق التاريخ وذات أصالة منذ القدم، ولمّا جاء الإسلام، حُفظت هذه اللغة بالقرآن الكريم الذي نزل بلسانٍ عربيٍّ فصيحٍ فازدادت رفعةً وقوة، إلّا أنها اليوم وفي خضمّ التّزاحم الحضاريّ والتسارع التقنيّ باتت تعاني من الإهمال والإقبال على اللغات الأخرى مما دفع الغيّورين عليها للذود عنها والتعريف بأهميتها.
وفي هذا السياق كان المعلم المربّي والأستاذ الفاضل “عبد الكريم مخزوم” من السبّاقين في ذلك، وهو من مواليد “خان شيخون” 1951 حاصلٌ على إجازة في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة حلب عام 1974، عَلمٌ من أعلام المدينة، وقامة من قاماتها التربويّة والثقافيّة والاجتماعيّة، مؤلّف وأديب ومحاضر تخرّج على يديه الآلاف من الطلّاب الذين يحفظون له المودّة، والتقدير.
أمضى قرابة النصف قرن في التدريس، والإدارات المختلفة، داخل القطر وخارجه، ومازال يعطي بكلّ همّة وثقة وإخلاص وهذا ما يشهد به كلّ مَن عرفه، وتعامل معه.
قدّم العديد من البرامج الإذاعيّة، والتلفزيونيّة في الخليج، وشارك في الكثير من اللقاءات التربويّة، والمحاضرات الثقافيّة والمهرجانات المتنوّعة والأمسيات الشعريّة على منابر عامّة ورسميّة.
كان أوّل رئيس لمجلس المدينة عام 1983 حيث أدّى مهمّته بكلّ أمانة ونزاهة وعدل وإخلاص، فهو صاحب القلب النقيّ النابض بالخير والمحبّة والوفاء للجميع، والذي يتصف بالهدوء الرصين المتزن والأخلاق الرفيعة والسمعة الطيّبة والوطنيّة الراسخة.
كيف يرى معلمو ومعلمات اللغة العربية مسيرتها في ظل هذا التطور والزخم بمواقع التواصل الاجتماعي وجموح أغلبية الروّاد لتعلم اللغات الأخرى أو اللهجة العامية !!!
ذكر الأستاذ عبد الكريم مخزوم أنّ مسيرة اللغة العربية تتعثر هذه الأيام وذلك لعقوق أبنائها لها ولاسيّما المتخصصين فيها وانبهارهم الزائف بالحضارات الأجنبية مما جعلهم يهملون الاعتناء بها ويستعيضون باللهجات الأخرى في أحاديثهم وكتاباتهم ولاسيّما في صفوفهم التعليمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وما أخطرها!!
فمن هنا كان لزاماً علينا نحن المعلمين أن نذود عنها ونصون جمالها من أن تمتد إليها يدٌ بالتحريف والتبديل والإهمال وأن نجاهد في سبيلها لتظل نقية راقية كما تسلمناها من أسلافنا مشرقة صافية.
وتابع الأستاذ عبد الكريم قوله: ولا بأس من أن يتعلم الإنسان لغة أجنبية أخرى دون أن تطغى هذه اللغات على اللغة العربية الأم
سألنا الأستاذ عبد الكريم عن الخطوات التي يجب اتّباعها لتعزيز قيمة اللغة العربية، فكان جوابه: لقد هيّأ الله لهذه الأمة الخالدة رجالاً مخلصين نافحوا عنها وأبرزوا محاسنها وحفظوا تراثها وكانوا سياجاً منيعاً حولها يدرؤون عنها الأخطار المختلفة التي تحيق بها ويفضحون الدعوات المشبوهة التي كانت تحاول النيل منها فعلينا أن نقتدي بأولئك المخلصين لها ونتابع مسيرتهم النبيلة في ذلك.
أضاف مخزوم أنّه يجب علينا أيضاً أن نسعى للاهتمام بها بتقديمها لأبنائنا منذ مراحلهم الدراسيّة الأولى ولاسيّما من خلال التعبير الشفوي والمحادثة والتركيز على أهمّيتها لأنها لغة القرآن الكريم، ونتابع ذلك في المراحل التعليمية المتقدمة وأن نبين دورها الحضاري كلما سنحت الفرصة في ذلك والتنبيه إلى خطورة الكتابة باللهجة العاميةولا سيّما في وسائل التواصل الاجتماعيّ بين الناس والعدول عن كتابة الأسماء إلا بها وإجراء المسابقات فيها ومنح الجوائز التشجيعية لأبنائنا الذين يظهرون تفوقاً واعتناءً بها.
الجدير بالذكر أن الأستاذ عبد الكريم مخزوم له مؤلفات عدّة نذكر منها “معالم اللغة العربيّة وشؤون تربويّة وخزانة الأدب وطائفة من الأمثال والحِكم والوصايا وأغاني الحياة وقيثارة الرّوح ”
أمّا النصائح التي يقدّمها مخزوم لمعلمي ومعلمات اللغة العربية للحفاظ عليها فهي:
الابتعاد عن كل ما من شأنه الإساءة إلى اللغة العربية كالتحدث بالعاميّة أواستخدام الحروف الأجنبية في كتابة الأسماء، وعلى الجميع بالدُربة المستمرة في النطق السليم من خلال القرآن الكريم وتراث العرب الخالد من خُطب وأشعار ونصائح والاعتزاز بهذه اللغة أمام اللغات الأخرى لأنها اللغة التي اختارها الله عزّ وجلّ من بين جميع اللغات لتكون لغة القرآن الكريم، فأين أنتم إذا ما ابتعدتم عن هذا الاختيار؟ بل وعليكم بالتركيز على الأحرف اللِّثويَّة وعدم الخلط بينها وبين الحروف الأخرى من الأحرف الهجائية.
وأضاف مخزوم “عليكم بالمطالعة لإغناء المخزون اللّغوي وعدم الكتابة على وسائل التواصل إلا باللغة الفصيحة، كما هو واجب علينا كمربين أولاً ومعلمين ثانياً أن نجاهد دوماً وأبداً من أجل أبنائنا ليسلم لسانهم وقلمهم من الزَّلل كما جاهد آباؤنا وأجدادنا لأجلنا سابقاً لأنّ العدوان على هذه اللغة اليوم إنّما هو عدوان على هويتنا العربية الأصيلة وعلى ديننا الإسلامي الحنيف.
وكان لابد من مشاركة للمعلمة حليمة العمر من معرة النعمان والتي تعمل مدرِّسة في مدرسة تابعة للمجمع التربوي في معرة مصرين
لو كلُّ مافي الأرضِ منْ شجرٍ قلمْ
ويَمُدُّه بحرٌ يُمَدُّ بسبعِ أمثالٍ تَمَمْ
لمْ تنفدِ الكلماتُ حاشى ربّنا
لا تنفدُ الآياتُ مِن عندِ الحَكَمْ
هل بعدَ ذلكَ مِنْ سؤالٍ آخرٍ
والقولُ مرهونٌ بما يجري القلم
لمّا سُئِلتُ عَنِ اللغاتِ و سرّها
وتفاقمٍ عبرَ المواقعِ في زخمْ
أينَ المواقعُ منْ سلامةِ نطقِها
أينَ الفصاحةُ والجزالةُ والنغمْ
أينَ الحروفُ تضيعُ جهلاً بينَها
مكسورةٌ تمتدُ خبثاً كالورمْ
ما هذهِ لغةٌ نعزُّ بذكرِها
قدْ شُوهتْ فيها المبادئُ والقيم
بلْ عزُّنا لغةُ البيانِ و سحرُها
لغةٌ تعجبَ من بلاغتها العجمْ
عربيةٌ نزلتْ بأطهرِ حُلّةٍ
والحقُّ أحيا ذكرَها بينَ الأممْ
والجنُّ آمنَ مُوقِناً مُتعجِباً
منْ بعدِ ما استمعَ التلاوة قد غَنِمْ
فلتحفظوها دُرَّةً مَخبوءةً
من كلِّ زيفٍ أو دخيلٍ أو سَقمْ
ولتورثوها النشءَ طاهرةً بها
تسمو النفوسُ وترتقي أعلى القممْ
أكرمْ بها لغةً تفيضُ عذوبةً
وتمسُ أركانَ الفؤادِ و ما كَتمْ
ويطيبُ فيها للخَلِي هيامُهُ
ويطيبُ فيها للشَجِي صدى الألمْ
نحيا بها و لأجلها و نصونها
و نشيدُ صرحاً ليس يبلغهُ عَلَمْ
أأقولُ شعراً أم أخطُ قصيدةً
وجلالها أعيا الأديبَ و ما نَظَمْ
لكنْ سكبتُ منَ الزهورِ عبيرَها
ونظمتُ من قَطرِ الخواطرِ ما سَجَمْ
فعسى إلهي خَالقي و مُؤدبي
أنْ يغفرَ الأُولى إذا زلتْ قدمْ
ثم الصلاةُ على الحبيبِ مُحمدٍ
تعدادَ ما سكبتْ على التربِ الديمْ
بقلم: فداء معراتي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع