نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس ، تقريرًا اطّلعرعليه المركز الصحفي السوري وترجمه بتصرّف، تحدّثت فيه عن السلم الأهلي ونقلت من خلاله بعض التصريحات للمدعو فادي صقر الذي أثار حفيظة السوريين تجاهه.
ذكرت الصحيفة في مطلع تقريرها أنّ قادة سوريا الجدد أسسوا مجموعة تتعاون مع مؤيدي الأسد السابقين لتعزيز الاستقرار، مما أثار ردود فعل غاضبة من الشعب السوري بمختلف أطيافه.
أنشأت الحكومة السورية الجديدة تلك المجموعة ،بحسب الصحيفة، لاستعادة الهدوء في بلدٍ مُمزقٍ بفعل ما يقرب من 14 عامًا من الحرب الأهلية. وبدلاً من ذلك، أصبحت لجنة السلم الأهلي مصدرًا للصراع الوطني.
يتصاعد الاستياء بين بعض السوريين الذين أيدوا الانتفاضة ضد الديكتاتور المخلوع، بشار الأسد. ويتهمون الآن قادة المعارضة الذين أطاحوا به بتمكين لجنة شُكّلت لتخفيف حدة الانقسامات الداخلية على حساب محاسبة فلول النظام القديم.
انفجر الغضب الشعبي خلال عيد الأضحى في أوائل يونيو/حزيران عندما أطلقت اللجنة سراح العشرات من جنود النظام السابق، مؤكدةً براءتهم من أي جرائم. ويدعو المنتقدون الآن إلى احتجاجات.
قال رامي عبد الحق، وهو ناشط مؤيد للثورة المناهضة للأسد: “ما كان الجميع ينتظره منذ سقوط الأسد هو معاقبة مرتكبي جرائم الحرب، وتحقيق العدالة الانتقالية. لكننا صُدمنا عندما اكتشفنا إطلاق سراح الكثيرين”.
تشكلت لجنة السلام في أعقاب عمليات القتل واسعة النطاق التي طالت الأقلية العلوية، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد. خلال فترة حكمه، جعل الرئيس العلويين ركيزة قواته العسكرية، التي حاربت لقمع التمرد الذي تدعمه الأغلبية السنية.
بعد إحباط محاولة تمرد في مارس/آذار من قِبل جنود سابقين في النظام في منطقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، قتل مسلحون من أنصار الحكومة مئات المدنيين العلويين، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.
تقول اللجنة إنها تعمل على تهدئة التوترات مع الأقليات في سوريا. لكن الجدل حول هدفها يمس جوهر سؤال محوري في سوريا ما بعد الأسد: كيف يمكن تحقيق العدالة والمصالحة في شعب عانى عقودًا من القمع العنيف؟ قُتل أكثر من 600 ألف شخص من جميع الأطراف في الحرب، وفقًا لمنظمات حقوقية، بينما تعرض عشرات الآلاف للتعذيب والسجن. ولا يزال آلاف ممن اختفوا في مراكز احتجاز الأسد في عداد المفقودين حتى يومنا هذا.
يُطالب ضحايا نظام الأسد بعملية عدالة انتقالية لمحاسبة مرتكبي الجرائم.
بالنسبة لبعض من عاشوا تحت حكم الأسد، وخاصة العلويين، عززت عمليات القتل التي وقعت على الساحل في مارس/آذار مخاوفهم من عدالة أهلية دموية.
تقول لجنة السلام إنها تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي اللازم لنجاح العدالة الانتقالية، وقد أبدت استعدادها للعمل مع شخصيات من النظام السابق لتشجيع المشاركة المحلية.
لشهور، تزايدت الانتقادات لتعاون اللجنة مع فادي صقر، وهو علوي قاد سابقًا قوات الدفاع الوطني، وهي قوة شبه عسكرية موالية للأسد، في العاصمة دمشق.
يوم الثلاثاء، عقدت اللجنة مؤتمرًا صحفيًا لشرح عملها ومحاولة تهدئة التوترات. لكن بدلًا من ذلك، أطلقت المجموعة موجة غضب عارمة.
اتهم مؤيدو الثورة المناهضة للأسد اللجنة بالسماح لمجرمي الحرب بالفرار من العدالة، وطالبوا السيد صقر بالمساعدة في تحديد أماكن قبور المفقودين.
يشعر النقاد بغضب شديد من تورط السيد صقر، إذ يقولون إنه يتحمل مسؤولية مذبحة قوات الدفاع الوطني للمدنيين في حي التضامن بدمشق عام ٢٠١٣، والحصار الوحشي للضواحي التي كانت تحت سيطرة المعارضة في المدينة خلال الحرب.
ينفي السيد صقر مسؤوليته، قائلاً إنه عُيّن قائدًا للميليشيا بعد مذبحة التضامن، وصرح لصحيفة نيويورك تايمز في بيان بأنه لم يحصل على أي عفو من الحكومة.
وقال: “كانت الدولة واضحة معي منذ البداية: لو كان لدى وزارة الداخلية أي دليل ضدي، لما كنت أعمل معهم اليوم”. وأضاف: “سأخضع نفسي لما يقرره القضاء”، في ظل “الإجراءات القانونية السليمة”.
وأقرّ حسن صوفان، وهو قائد سابق للمعارضة وعضو في لجنة السلام، بـ”ألم الجمهور وغضبه المبرر” إزاء دور السيد صقر السابق في الميليشيا، لكنه أشاد بعمله مع اللجنة.
قال: “في سياق المصالحة الوطنية، نضطر أحيانًا إلى اتخاذ قرارات تمنع التصعيد والعنف، وتساعد على ضمان استقرار نسبي في المرحلة المقبلة”.
تواجه الحكومة ديناميكية وطنية متفجرة من جميع الأطراف.
يقول نشطاء حقوق الإنسان إن عمليات القتل الانتقامية في سوريا أصبحت شائعة الآن، حيث يلصق السكان المحليون قوائم “المطلوبين” لأعضاء النظام السابق المتهمين بارتكاب جرائم على جدران الأزقة، وتتعهد جماعات حراسة غامضة بملاحقة المشتبه بهم.
في المجتمعات العلوية، التي لا تزال تشعر بالخوف والغضب بعد عمليات القتل الجماعية على الساحل، تنتشر شائعات مستمرة عن مؤامرة لتمرد مسلح ضد الحكومة الجديدة. وهذا يُقلق القادة المحليين الذين يحاولون الحفاظ على السلام.
تواجه الحكومة ديناميكية وطنية متفجرة من جميع الأطراف.
يقول نشطاء حقوق الإنسان إن عمليات القتل الانتقامية في سوريا أصبحت شائعة الآن، حيث يلصق السكان المحليون قوائم “المطلوبين” لأعضاء النظام السابق المتهمين بارتكاب جرائم على جدران الأزقة، وتتعهد جماعات حراسة غامضة بملاحقة المشتبه بهم.
في المجتمعات العلوية، التي لا تزال تشعر بالخوف والغضب بعد المجازر الجماعية على الساحل، تنتشر شائعات مستمرة عن حركات تمرد مسلحة تُحاك ضد الحكومة الجديدة. وهذا يُقلق القادة المحليين الذين يحاولون الحفاظ على السلام.
صرح نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، بأن الحجم الهائل لقوات النظام السابق والميليشيات شبه العسكرية – التي يصل عددها إلى 800 ألف شخص – يجعل من المستحيل تحميل الجميع المسؤولية.
وأضاف السيد صقر أن خلفيته، ليس فقط كعلوي، بل كقائد ميليشيا تابعة للنظام، منحته المصداقية لإقناع مؤيدي النظام السابق بعدم التخلي عن الحكومة السورية الجديدة.
لكن يبقى السؤال المحوري: “هل سيقبلهم جمهور الثورة شركاء في الوطن؟”، وأضاف: “اسم فادي صقر هو اختبار لمدى إمكانية التعايش بين طرفي الصراع”.