ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بخبر مقتل عدد من السوريين اللاجئين، في أثناء محاولتهم اجتياز الحدود السورية التركية بطريقة غير شرعية، واتهمت حرس الحدود التركي بقتلهم، وصدر تصريح صحفي لنائبة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضىة السورية، سميرة المسالمة، يندّد بالواقعة، ويطالب بالتحقيق، كما صدر بيان عن الائتلاف يطالب بالتحقيق، وكلف الرئيس التركي والي هاتاي وقيادة الجيش بفتح تحقيقٍ لمعرفة ملابسات الحادثة ومحاسبة المخطئين.
الأخبار المتواترة عن اعتقال مجموعاتٍ مهاجرة بطريقة غير شرعية، تسعى إلى جنة أوروبا هرباً من الجحيم (بلادهم) شبه يومية، ولا يزال الحديث يدور حول الاتفاقية التركية الأوروبية بشأن إعادة اللاجئين الواصلين من تركيا إلى اليونان، ولا تزال محاولات دول أوروبية رئيسية، في مقدمتها إيطاليا، تثبيت الحكومات المحلية في مصر وليبيا، ودفعهم إلى التعاون معها في سبيل منع تدفق اللاجئين/ المهاجرين غير الشرعيين، بعرفهم من شمال إفريقيا إلى بلدانهم مستمرة.
موجة الهجرة الكبيرة للاجئين السوريين من تركيا إلى أوروبا خلال الصيف الماضي، تسببت في أزمةٍ كبيرةٍ، كادت أن تفكّك دول الاتحاد الأوروبي، فلأول مرة قارة بحجم أوروبا تعجز عن استقبال نحو مليوني لاجئ، بينما تستقبل تركيا والأردن ولبنان، كل على حدة، أعدادا تقارب هذه العدد منذ سنوات، وتئن بنيتها التحتية تحت هذا الثقل، وبعد تجاهل العالم كله معاناة مواطني العالم الثالث من الأزمات والحروب المصطنعة التي تستفيد منها لوبيات اقتصادية وسياسية محدّدة متحكّمة بالقرار الدولي، وتجاهل معاناة الدول المجاورة لسورية المستضيفة لهؤلاء اللاجئين، والتي اضطرت، في النهاية، إلى إغلاق حدودها مع سورية، لعدم قدرتها على تحمل المزيد، ودفع أصحاب القرار الدولي للحرب في سورية لتستعر أكثر، وبعد صدور ممارسات عنصرية ضد اللاجئين السوريين، مدعومة من جهاتٍ متنفذة في الحكومة، مثل حزب الله وحلفائه في لبنان، أو مدعومة من النظام كله، كنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، والذي شوّه سمعة السوريين، وزجّهم في أتون صراع سياسي داخلي، وليدفع بالأزمات الناتجة عن انقلابه على الرئيس الشرعي المنتخب، وممارساته الاستبدادية، بعيداً باتجاه السوريين كمفتعل لهذه الأزمات، وبهذا أوجد شرخاً بين الشعبين المصري والسوري، وتسبب بأزمات وتحرشات عنصرية تجاه اللاجئين، وبعد أن فقد السوريون الأمل بالعودة إلى بلادهم، ويئسوا من الحلول السياسية المطروحة، وهي، في مجملها، تعيد تثبيت حكم نظام عائلة الأسد الذي قتلهم وهجّرهم، ويئسوا من التصريحات النارية لمدّعي صداقة الشعب السوري، وخطوطهم الحمراء، وعدم وجود أملٍ في إسقاط النظام عسكرياً، وبعد أن تعبوا من الممارسات العنصرية تجاههم، دفعوا دفعاً للبحث عن أماكن أفضل للحصول على الأمان والاستقرار والمستقبل الآمن.
تشير تقديرات سلطات النيجر إلى أن حوالي مائة ألف شخص عبروا أجاديز العام الماضي، وهي مدينة تقع في وسط مالي، وتمثل مركزاً مهما للمهاجرين في الصحراء الأفريقية في سعيهم للوصول لشمال أفريقيا وأوروبا. وتعتقد السلطات أن المزيد سيحاولون الشيء نفسه خلال العام الحالي، وكل هؤلاء الأشخاص لا يبالون بالمخاطر التي تلوح أمامهم من قبيل تعطل الشاحنة في مثل هذه الصحراء الواسعة واستنزاف ما بحوزتهم من موارد، أو قتلهم وسرقة أعضائهم البشرية من قبل العصابات بتلك المناطق …إلخ .
الدعم الأوروبي والدولي للحكام المستبدين الناهبين ثروات أفريقيا، المتعاونين مع الإمبريالية أو حكومة العالم الخفية أو الماسونية أو منظومة المافيا العالمية أو …. سمها ما شئت، فهي تتشابه بممارساتها الواضحة بدعم الديكتاتوريات وإيجاد اتفاقيات مع هولاء المستبدين تكرس امتيازات اقتصادية ومالية مجحفة بحقوق الشعوب، وتنهب ثرواتهم مقابل دعم وجودهم في السلطة.
في الشرق، تجد الحروب والأزمات مستعرة أيضاً، فمن أفغانستان إلى مينامار إلى …، يعيش البشر هناك بلا أمل في حياة طبيعية تقليدية، فيضطرون للمخاطرة والتعايش مع الموت في كل لحظة، في طريق هجرتهم نحو الجنة في الغرب، باحثين عن خلاصٍ فردي، فهم على صداقة وثيقة مع الموت في بلادهم، لكن هذا الموت لا يوجد في نهاية نفقه أمل، بينما يعايشون في طريق الهجرة الموت على أمل الحياة الحرة الكريمة الآمنة في نهاية الطريق.
لايزال الأوروبيون يبحثون عن حلول تسكينية لمشكلة المهاجرين غير الشرعيين، ولا يريدون حلاً جذرياً للمشكلة، فاقتصادهم المبني على نهب اقتصاديات الدول الفقيرة لا يمكنه أن يعيش من دون هذا النهب، ولتحقيق هذا النهب يذهب القادة الأوروبيون إلى تأييد المستبدين القتلة. وفي التاريخ القديم والحديث ما يؤكد ذلك، فتجربة الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي مع معمر القذافي، وتجربة الطليان مع السيسي، ماثلتان أمام أعيننا، وما خفي كان أعظم.
واهم من يؤمن من قادة القارة العجوز، أنه من دون تطبيق قيم الحرية والعدالة والمساواة، والتي يحاربونها ويمنعون تطبيقها في بلداننا، يمكنه النجاة من تبعات ما يحصل لدينا.
العربي الجديد – زكي الدروبي