أعلنت دول أوروبية عديدة تعليق إجراءات طالبي اللجوء السوريين في 9 كانون الأول (ديسمبر) حتى إشعار آخر. بل إن النمسا أعلنت أنها تُعِدّ “برنامجًا لإعادة اللاجئين وطردهم”.
ومما لا شك فيه أن سقوط الطاغية بشار أسد قد أنعش آمال ملايين السوريين في إنهاء حياة المنافي وعودة حياتهم الطبيعية. إلا أن الواقع على الأرض مختلف؛ فوفقًا لأرقام الأمم المتحدة، لاتزال أزمة اللاجئين السوريين من أكبر الأزمات في العالم، حيث يعيش 6.2 مليون لاجئ سوري خارج سوريا، بالإضافة إلى 7.41 مليون نازح داخلي، ومليوني طفل لاجئ سوري خارج المدرسة، و7.5 مليون طفل داخل سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
من الواضح أن سقوط النظام في دمشق قد حفّز الدول الأوروبية على إعادة إحياء مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وقد سُلِّط الضوء على هذه المسألة خلال حملة الانتخابات التشريعية في شباط (فبراير) 2025 في ألمانيا، والتي ركّزت بشكل كبير على قضية الهجرة.
إن هدف إعادة اللاجئين والمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية ليس جديدًا، بل يعود تاريخه إلى ما لا يقل عن عشرين عامًا. وعادةً ما تتم هذه العودة قسرًا، وتُبرَّر ضرورتها بحججٍ مثل التهديدات الأمنية، أو عبور الحدود بشكل غير قانوني، أو الإقامة غير القانونية في الأراضي الأوروبية. ورغم أن هدف إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية لايزال قائمًا، إلا أن سياسات إدارة الهجرة شهدت خلال السنوات القليلة الماضية “ابتكارًا”، إن صح التعبير، حيث تجمع الآن بين العودة “القسرية” والعودة “الطوعية”.
لا تشجع الدول الأوروبية فقط العودة “الطوعية” للسوريين، بل تشجعها أيضًا تركيا، الدولة المضيفة الرئيسية للاجئين السوريين، الذين يبلغ عددهم حوالي 3 ملايين. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد عاد ما يُقدر بـ 354,900 لاجئ إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد. وهذا يمثل حوالي 5.5% فقط من إجمالي عدد اللاجئين السوريين. وتشير دراسة حديثة أجرتها مجموعة الاستشارات الإنسانية (HCG) وشركة الاستشارات والحلول المبتكرة (ICS)، استنادًا إلى استطلاعات رأي للمهاجرين واللاجئين السوريين، إلى أن 58% من اللاجئين أعربوا عن رغبتهم في العودة إذا تحسنت الأوضاع الأمنية والحوكمة والبنية التحتية؛ بينما لايزال 31% منهم مترددين، مشيرين إلى عدم اليقين بشأن الأمن والخدمات والاستقرار السياسي.