في يوم الجمعة العظيمة ” 25 آذار/ مارس”، حيث تخفّ حركة الزبائن في مطعم “شي موريس” في بيروت، الملاصق لمكان احتجازهن. قررت أربع لاجئات سوريات محتجزات الهروب من أحد الأبواب السرّية الموجود في المطعم بمساعدة زميلتهما الأقدم في المكان “رنا “.
وقد خططت “رنا” لضرب الحارسة المشرفة على الفتيات، التي تراقبهنّ وتصدر قرارات التعذيب بحقهن، وسرقت المفتاح منها وفتحت الباب، فهربت الفتيات الأربعة، إلا أنه ومع بدء الحارسة بالصراخ حضر شباب «البادي غارد»، وتمكنوا من القبض على رنا وزميلتها الأخرى نسرين، وتمّ نقلهما إلى زعيم الشبكة المدعو “عماد الريحاوي”، وتعرضتا لضرب مبرّح.
بهذه الرواية التي نقلت عن مصادر صحفية لبنانية… تبدأ عملية الكشف عن شبكة الإتجار باللاجئات السوريات في لبنان، في وقت يدأب فيه الأمن اللبناني على ملاحقة السوريين الفارين من الحرب في سوريا واعتقالهم، لعدم حيازتهم أوراقاً ثبوتية، وتقوم شبكات أخرى ذات نفوذ على اعتقال لاجئات سوريات للإتجار بهم بالقوة بعد احتجازهن في أماكن بحراسة مشددة.
الفتيات الأربع اللواتي نجحن في الفرار بعد شهور من احتجازهن في أماكن سريّة مع نحو سبعين لاجئة أخرى، وتعرضهن للتعذيب النفسي والجسدي، لإجبارهن على ممارسة الجنس مع زبائن، لم يكن أمامهن إلا إبلاغ القوى الأمنية اللبنانية في جبل لبنان. وأمام الإبلاغ المعلن، قامت إحدى المفارز الأمنية بتحرير اللاجئات المحتجزات، وتبيّن أنهن تعرّضن لأبشع أنواع التعذيب والابتزاز، فيما أوقفت سبع حارسات يرتكز عملهن على مراقبة وتعذيب الفتيات، وشخصان يقومان بتأمين الزبائن وتسعة حراس وأربعة زبائن.
وبحسب تلك المصادر، فقد تمّ بدايةً دهم فندقين وتحرير 16 فتاة، كنّ محجوزات في السراديب، كما أوقف 8 حراس كان دورهم مراقبة الفتيات وإصدار قرارات العقاب وطريقة تنفيذها، فيما ضُبطت داخل الملهييْن في الفندقين هواتف الفتيات وهوياتهن، وكانت في خزانة. كما ألقي القبض على السورييْن غياث فرحات دفدع ومحمد جميل محمد القصار، اللذين أشارت تقارير إلى أن دورهما كان يقضي باستدراج الفتيات لخطفهن وإجبارهن على ممارسة الدعارة.
وفي المرحلة التالية جرى دهم الشاليهات في البوار، وهي تابعة لصاحب الفندقين، وهناك عُثر على الفتيات الأخريات مع حراس.
وتقول رنا، أسيرة القبو في “شي موريس” منذ سنتين، إن جميع الفتيات لايستطعن الخروج بتاتاً، ولم تعرف شخصيّاً الشارع إلا لدى تحريرها من العبودية، عدا تلك المرة التي تم نقلها إلى الطبيب لإجهاضها، حيث رأت الشارع وسط حراسة أمنية من عصابة الريحاوي.
وعن موضوع الإجهاض الذي يُعتبر بحد ذاته فضيحة، فقد أجرت نحو 25 فتاة عمليات إجهاض في عيادة الطبيب، ومنهن (ولسبب خطورة حالتهن خاصة في مرحلة الحمل المتقدّم) تم نقلهن إلى أحد المشافي في جلّ الديب وخرجن بكل بساطة. وعن سبب وكيفية الحمل، تقول نسرين، إنها شخصيّاً أجهضت 4 مرات بسبب ممارستها الجنس مع الزبائن، وفي حال إصرار الواحدة منهن على «طلب خاص» من الزبون، كان عقابها 100 جلدة مع حرمانها من الطعام لأيام.
عمليات البحث جارية عن جثّة قد تكون داخل “شي موريس”، حيث جرى قتلها قبل 3 أعوام (بحسب إفادة الفتيات قديمات العهد في الأسْر)، ودفنها في حائط ما وصبّ الإسمنت عليها، وربما تكشف الأيام المقبلة أموراً جديدة. فيما روت إحداهن في إفادتها أن هناك فتاة قُطع لسانها كون عماد الريحاوي سمعها تحكي عليه مع الزبون، فقد زرع في الباريْن كاميرات لسماع ومشاهدة ما يدور بين الزبائن والفتيات، اللواتي كنّ محرومات من الاتصال بذويهنّ أو حتى مشاهدة التلفزيون.
والأفظع فيما تكشفت عنه هذه المأساة أن عدداً من الفتيات خضعن منذ خطفهنّ لنحو 200 عملية إجهاض على يد طبيب وممرضة لبنانيين في عيادته في محلة الدكوانة.
تقول ساندرا، وهو الاسم الذي أعطاها إياه “الريحاوي”، إنها أتت إلى لبنان قبل 15 يوماً فقط عبر شخص اسمه أحمد وهو فلسطيني، على أساس العمل في مطعم سيتمّ افتتاحه في جونية. وقد أخبرها أحمد أنها ستنام في فندق في الكورة (الشمال وهذا الفندق يتمّ الاتفاق معه على أنه سيحجز للبنات السوريات كي يأخذن إقامة للدخول إلى لبنان)، وحين وصلت تمّ تسليمها لشخص اسمه غياث الدفدع، الذي بدوره أخذها إلى الريحاوي وهناك أخبرها أنها لن تخرج من المكان وستمارس الجنس. وبعد توسلات من ساندرا وتقبيل قدميه قال لها «فقط ليلة واحدة ستمكثين هنا وسنطلق سراحك غداً»، ومرّت الأيام الـ15 وهي داخل غرفة كأنها سجن، ومهمتها في الحياة إشباع رغبات الزبائن. وكونها حديثة العهد في المجال وعدم تقبلها للأجواء القذرة، لم تتجاوب مع أيّ زبون فكان نصيبها الضرب العنيف على جميع أعضاء جسدها.
حكاية ساندرا تشبه حكايا الفتيات الأخريات، وملخصها أن الحارسة كانت مهمتها مراقبة ترتيب وأناقة ونظافة كلّ بنت، ولكلّ مجموعة بنات حارسة مشرفة، وفي حال لم تتقيد أيّ فتاة بترتيب أظافرها أو إزالة الشعر وغيرها من الأمور النسائية، فلكلّ عقاب عدد جلدات، فمثلاً على عدم طلي الأظافر هناك 10 جلدات، وصولاً إلى الـ100 جلدة بالكرباج على القدمين، وهذا العقاب في حال دخل الزبون وخرج غير راضٍ عن الخدمة.
ربما كان نجاح اللاجئات الاربعة بالهرب والابلاغ عن المعتقل الرهيب التي كن فيها برفقة عشرات اللاجئات قد كشف عن حكاية واحدة من حكايا شبكات الاتجار بالنساء ..الا انه من الممكن ان تكون هناك الكثيرات من اللاجئات الاخريات المسجونات في سجون اخرى في اماكن متفرقة من لبنان ..خاصة في ظل النفوذ الكبير لحزب الله والمتحالفين معه ممن يقدمون الحماية لأعضاء تلك الشبكات حيث يعملون في وضح النهار على اقامة الحواجز دون رادع او محاسب واختطاف الفتيات السوريات منها تحت حجج مختلفة منها عدم قانونية وجودهم في لبنان أو عدم حصولهم على وثائق رسمية ..اضافة الى ان حوادث كثيرة اشارت الى دخول تلك العناصر الى مخيمات اللجوء واختطاف الفتيات
ويتم الحديث حالياً عن تورط شخصيات لبنانية وسورية نافذة في هذه القضية، حيث يملكون مجموعة من الملاهي والشقق التي تعمل على تشغيل تلك الفتيات فيها، وقد أقفلت عدة مرات بالشمع الأحمر لتشغيلها فتيات قاصرات في الدعارة، لكن يتم فتحها بعد يوم أو يومين، مما يؤكد حماية تلك المافيات من جهات عليا. ويتم التساؤل كيف لصاحب شبكة دعارة بهذه الضخامة أن يكون محتجزاً منذ ثلاثة أشهر بتهمة تسهيل الدعارة، بينما شبكته تعمل على أكمل وجه في الخارج.
ولا يخفى على أحد تهجم بعض وسائل الإعلام اللبناني على اللاجئات السوريات، واتهامهن بجلب “الدعارة” إلى لبنان، دون التطرق للممارسات الشنيعة ضد النساء السوريات، وشبكات الاتجار بالبشر التي تعمل بشكل ممنهج ضدهن. فهذه ليست القضية الوحيدة للإتجار بالبشر على الساحة اللبنانية، بل هناك العشرات، لكن لا يتم الاضاءة عليها، والصدفة وحدها هي التي فضحت هذه الشبكة.
وتشير منظمة العفو الدوليّة في تقريرها الذي يحمل عنوان “أريد مكاناً آمناً”: اللاجئات من سوريا مشرّدات بلا حماية في لبنان … إن أوجه القصور في المساعدات الدوليّة والسياسات التمييزية، التي تنتهجها السلطات اللبنانية خلقت ظروفاً تجعل من اليسير في ظلّها تعرّض اللاجئات في لبنان للاستغلال والإساءة، البلد الذي قام بالتوقيع على اتفاقية “سيداو”، التي تنص على القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة.
وهنا لابد للقوى الوطنية والديمقراطية اللبنانية، ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية الدولية العمل على وقف هذه المأساة، وتشكيل رأي أشمل ووعي أعمق تجاه هذه الأزمة بما قد يحرّك الجهود نحو مكافحة ظاهرة استغلال اللاجئات السوريات، والعمل جديّاً من أجل تحسين ظروفهن المعيشية وصون كرامتهن، التي هي مسؤولية تقع على عاتق الإنسانية جمعاء.
خاص “شبكة المرأة السورية”