هل تنتج «دردشة» الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما، على هامش قمة مجموعة العشرين في الصين، تفاهمات على سورية؟ سؤال ملتبس يحمل تناقضات، لأن «الدردشة» ليست من عمل الرؤساء، والقضية السورية أكثر تعقيداً من أن تُحلّ بـ «تبادل سريع للآراء» يمكن أن يحصل في أحد ممرات القاعات الفخمة التي تستضيف القمة يومي الأحد والاثنين.
ويعكس الالتباس حال التناقض في المعطيات التي قدّمها الكرملين والبيت الأبيض، حول لقاء اعتبر بعضهم أنه سيكون «حاسماً» لتقريب وجهات النظر، بينما فضّل كثر عدم التعويل عليه.
يلتقيان. ربما… قد يعقدان اجتماعاً سريعاً. قد يتبادلان الآراء إن سمحت الأجندة الزمنية لكل منهما… هكذا تسلسلت التصريحات حول اللقاء المرتقب.
في المقابل، أسهب الكرملين في الحديث عن لائحة طويلة من اللقاءات الثنائية التي يعدّ لها بوتين يومي الأحد والاثنين، مع زعماء ومسؤولين، من الرئيس الصيني صاحب البيت، الى زعماء فرنسا وألمانيا وبريطانيا وتركيا والأرجنتين وغيرهم… وإقليمياً، ثمة لقاء يعوّل عليه الكرملين كثيراً مع ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وآخر ذو أهمية خاصة كذلك، مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
جدول الأعمال المكثّف للرئيسين الروسي والأميركي لا يسمح بتخصيص حيّز واسع لحوار جدي حول سورية وأوكرانيا والعلاقات الثنائية والأمن العالمي، والملفات الكثيرة العالقة بين الجانبين. أم أن هذا يعكس مستوى التدهور الذي يعدّ سابقة في علاقتهما، ويرجّح نظرية أن «بوتين غير راغب في التقدُّم تجاه إدارة باتت أيامها معدودة، وأوباما غير مهتم أصلاً بفتح ملفات شائكة وهو يغادر البيت الابيض»؟
يضاف الى تلك المعادلة أن موسكو تراقب «الرسائل المتناقضة» التي تَرِد من واشنطن، وتجعلها «واثقة أكثر بأن الحديث الجدي سيكون مع الإدارة المقبلة أياً تكن الهوية الحزبية للرئيس» المقبل، وفق معلّق روسي لفت الى أن «الخارجية الأميركية تتحدّث بلغة فيما وزارة الدفاع تتحدّث بلغة مختلفة والبيت الأبيض يقدم آراء متضاربة، وتصدر تعليقات أكثر غموضاً عن الكونغرس».
في ظل هذه المعطيات، تتضاءل التوقُّعات من لقاء «وداعي» و «عابر» في أروقة قمة العشرين خصوصاً حول سورية، وفي أحسن الأحوال تتحدث مصادر روسية عن احتمال تحقيق تقدُّم في مسائل مثل تفاهمات على وقف مجدّد لإطلاق نار محدود، وإجراءات لتحسين ظروف مرور المساعدات الإنسانية وتعزيز التنسيق وتبادل المعلومات.
أما العبارات الصارخة عن «عمليات عسكرية مشتركة» أو «اتفاق لإحياء المسار السياسي»، فتبدو مستبعدة.
وثمة إشارة قد تكون ذات أهمية خاصة لمّح إليها أخيراً، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع فيودور لوكيانوف، إذ رجّح الخبير المقرّب من مطبخ صنع القرار أن يكون «الاختراق» الممكن في اللقاء المرتقب اتفاقاً على أن تلعب موسكو دور وساطة لتحقيق تواصل بين واشنطن ودمشق.
وهذا أمر مفيد للطرفين: موسكو لأنها تصر على تثبيت «شرعية» النظام السوري، وواشنطن لأن أوباما يريد أن يمنح «خليفته» مزيداً من الأوراق قبل مغادرته السلطة.
يعتبر الخبير أن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع السوريين، شرط عدم تراجعها عن موقفها المعلن من الرئيس بشار الأسد. لذلك تفرض الضرورة التوصُّل إلى حل وسط، قد يكون شبيهاً بما ذهبت إليه تركيا أخيراً، عندما أبلغت دمشق عمليتها العسكرية في الشمال عبر الوسيط الروسي.
يقول لوكيانوف: «في ظل انعدام الثقة بين روسيا والغرب، فإن الاتفاق على عمليات عسكرية مشتركة أمر غير واقعي، لكن يمكن تقسيم مناطق المسؤولية». ويلفت إلى أن مصطلح «تنسيق العمليات» في هذه الحال يعني أن كلاً من الجانبين سيكون على علم بإجراءات الطرف الآخر، لكن لا يمكن الحديث عن قيادة مشتركة. كما يمكن تبادل المعلومات ولو في نطاق محدود، أما الحديث عن استراتيجية مشتركة فما زال «ضرباً من الخيال».
الحياة اللندنية