أصبحت سورية في الوقت الحاضر ساحة للتجاذب السياسي والعسكري بين الدول العظمى، إذ ترى روسيا في سورية الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط، الحليف الذي تعتمد عليه، بخلاف الدول الأخرى التي تتبع مصالحها حصراً، من دون النظر إلى مصالح الحليف، فالكرملين يعتبر أمن نظام الأسد من أمن بلاده، لأنّه حال سقط النظام في سورية ستخسر روسيا آخر منفذ لها في الشرق الأوسط الذي يصلها بأوروبا، بعد فقدانها ميناء البصرة في العراق سنة 2003 بعد الغزو الأميركي، وخروج موانئ ليبيا من يديها بعد إسقاط معمر القذافي.
ميناء طرطوس السوري آخر معبر يمكّنها من السيطرة على البحر المتوسط، ومساعدة القوات الروسية على الوصول السريع للبحر الأحمر والمحيط الأطلسي، كونها منطقة ربط في الداخل بتلك المنطقة.
غيّر التدخل الروسي في سورية من الظرف الإقليمي للصراع القائم، إضافة إلى تأثيره القوي على المستوى السياسي، فهو في جانبه السياسي عطّل أيّ حل كان من الممكن أن يوصل سورية إلى برّ الأمان، وأحدث فجوة استراتيجية في إيجاد أيّ معادلةٍ دوليةٍ لتحقيق التوازن، فالشرط السياسي الذي نادى به الروس لم يكن سوى دعاية إعلامية للتغطية على تدخله العسكري في سورية، ففي وقتٍ كان فيه الروس ينادون بالحل السياسي، كانت طائراتهم تنطلق من قاعدة حميميم لإيجاد بيئة مواتية للنظام القائم، وإحداث تغيير جغرافي وعسكري، من حيث إعادة السيطرة على المناطق المحرّرة في سورية والضحية الشعب السوري.
الشرط السياسي التي تريده موسكو فاقد شرعية الدولة والشعب في سورية، وخصوصاً بعد الانتهاكات العديدة التي ارتكبها نظام الأسد، بدءاً من استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية والبراميل المتفجرة في قتل المدنيين وتدمير حضارة سورية، فقد كان لقاعدة حميميم الدور البارز في مشاركة الأسد ودعمه.
انطلقت السياسة التي اعتمدها الروس من عدّة أمور، أوّلها استهداف المجموعات المعتدلة، بحجة مقاتلة تنظيم داعش، فموسكو تريد من النظام الدولي محاربة أيّ فصيل يقف ضد الأسد تحت غطاء الإرهاب، فالإرهاب سلاح التحوّل الجيوستراتيجي بالنسبة لروسيا.
والأمر الثاني ينطوي تحت حوارات جنيف التي كانت تبحث عن العملية الانتقالية، في ظلّ الحفاظ على الشرعية وعدم إحداث خلل يؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة، ما جعل روسيا تسارع بالتدخل العسكري في سورية، بعد فشل إيران وقوات الأسد في إعادة السيطرة على غالبية المحافظات السورية، لتثبت أنّها ما زالت دولة قوية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
والأمر الثالث، هو الموقف الأميركي السلبي تجاه الثورة السورية، وعدم سعيها الجاد إلى إزاحة الأسد من الحكم، فهي كلّ ما تريده تحقيق مصالحها، وهذا ما استغله الروس ليكون اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، وفرض من خلاله قوته وسيطرته من خلال نشر جنوده في الساحل السوري، متحدّياً كلّ القرارات الأممية، قائلا للعالم أجمع: أنا سيّد العالم.
ما نستطيع أن نتوّصل له، أخيراً، أنّ التدخل الروسي قلب الموازين الدولية رأساً على عقب، مستفيداً من التخاذل الدولي لتباهيه العسكري، وعرضه قوته التي قد تكون غير ما تبدو عليه، حال قرّرت الدول العظمى أن تأخذ موقفاً إيجابياً بوجه الدب الروسي الذي بات كابوساً يؤرق الجميع.
أحمد سلوم_العربي الجديد