تأثرت العديد من قطاعات الإنتاج والاستهلاك في سورية بتبعات الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب ست سنوات وحتى الآن, فبعضها بدأ يعاني من أزمات خانقة على الصعيدين الإداري والاقتصادي حتى وصل بها الأمر إلى التوقف أو الانهيار شبه التام, رغم محاولات إعلام النظام المتكررة إظهار الوضع العام في جميع مؤسساته وقطاعاته المدنية والعسكرية والتربوية والتعليمية والاقتصادية, أنه فوق الجيد، وكل الأمور تسير على ما يرام, ولكن الواقع مخالف لهذا الادعاء تماما, فالوضع العام في هذه المؤسسات يسير من سيء إلى أسوأ مع تأكيد العديد من الخبراء الاقتصاديين لتوقعاتهم بقرب انهيار الاقتصاد الوطني, وأن البلاد ستكون أمام مأزق اقتصادي كبير حتى لو وضعت أوزارها.
يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات المنتجة في سورية, وتشير العديد من التقارير المحلية أن العامل الزراعي كان يشكل أحد أهم الدعائم والركائز المالية لخزينة الدولة, عن طريق عائداته المالية الكبيرة التي كانت تشكل ما يقارب ثلث الخزينة العامة, وتقدر بمئات الملايين من الدولارات كل سنة, فسورية دولة ذات مناخ متوسطي وتمتلك مقومات جيدة لنمو وتطور القطاع الزراعي, من خلال توفر المناخ المناسب والأرضية الخصبة وكميات المياه اللازمة بعلا ورياً.
حيث إن السهول الزراعية الخصبة تمتد على مساحات واسعة من أرياف دمشق والساحل السوري وشمال وجنوب حلب إضافة للسهول الخصبة التي تمتد على جانبي حوض الفرات في المنطقة الشرقية, عدا عن توفر مساحات زراعية شاسعة في منطقة الجزيرة.
أما اليوم فالقطاع الزراعي يعاني العديد من المشاكل التي لا تنتهي والتي كان لها تأثير كبير على الوضع المعيشي للسكان بالمقام الأول, والخزينة المالية التابعة لحكومة النظام في المقام الثاني, يتحدث المهندس الزراعي خالد الخطيب مدير مصلحة الزراعة سابقا في قرية “سفوهن” في ريف إدلب لمراسلنا قائلا: “قبل أن أتحدث عن أهم مشكلات القطاع الزراعي في سورية بعد الحرب, أود أن أنوه أن سورية تمتلك ثروة حقيقية من المحاصيل الزراعية الحقلية والأشجار المثمرة, والحديث عن الواقع الزراعي هو حديث طويل جداً, ولكنني سأتحدث عن الواقع الزراعي الذي تردى كثيراً ضمن منطقتنا, إذ نمتلك في محافظة إدلب ملايين الأشجار من الزيتون والتين والكرمة والكرز واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة, جميعها تعاني اليوم من تسلط العديد من الآفات والحشرات عليها, فنحن لم يعد لدينا اليوم الإمكانيات اللازمة لرش الأشجار بالمبيدات, هذا الأمر انعكس بشكل كبير على إنتاج هذه الأشجار, أما على صعيد المزروعات الحقلية فهي ليست أفضل حالا من سابقتها, فكميات الأمطار ليست كافية, واستخراج المياه الجوفية يحتاج لإمكانيات كبيرة”.
ولأن العنصر الأهم في عملية الإنتاج الزراعي بعد توفر الأرضية والمناخ هو الإنسان “الفلاح والمزارع”, سنسلط الضوء أيضا على دوره المتراجع والذي لم يعد كما يجب في السابق, ما أئر وبشكل مباشر على سير العملية الزراعية في مختلف مناطق سورية, سيما تلك المناطق المحررة في الشمال والجنوب من سورية, يحدثنا عن هذا الموضوع المهندس الزراعي إبراهيم زيدان من بلدة حاس في ريف إدلب أيضا بالقول:
“مع موجات النزوح والتهجير التي حصلت في العديد من المناطق السورية, نزح العديد من الفلاحين والمزارعين وغادروا أرزاقهم وأراضيهم, وهذا شيء طبيعي لأن نصيب الأرياف من التهجير كان الأعلى, عموما بقيت العديد من المساحات الزراعية المهجورة دون استثمار, وانخفضت أعداد الرؤوس من الماشية والأبقار نتيجة حالة النزوح, ومن بقي يقوم بهذه المهنة لا يمتلك الإمكانيات الكافية, فأسعار المحروقات مرتفعة, والعملية الزراعية اليوم تعتمد على توفر هذه المواد بشكل أساسي, لذلك حتى من بقي من الفلاحين ولم يهاجر لم يعد يرغب بزراعة أرضه, لأنها تكاد تكون خاسرة تماما”.
الجدير بالذكر أن معاناة وتراجع القطاع الزراعي في سورية, لم يبدأ مع اندلاع أحداث الثورة السورية, بل إن الأزمة التي طالت القطاع الزراعي السوري بدأت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم, وذلك بسبب عدم اهتمام الوزارات المتعاقبة في حكومة النظام بهذه المسألة كما يجب, إضافة إلى الفساد الإداري والمالي الكبير, وقد تفاقمت هذه المشكلة تماما بعد اندلاع أحداث الثورة, وقد تكون مسالة إعادة النهوض بالواقع الزراعي في غاية الصعوبة.
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود