تعد “القضية الكردية” في تركيا من أهم القضايا التي واجهتها الحكومات التركية المتتالية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، إلى درجة أنها باتت مشكلة مزمنة، تهدد أمن البلاد وترهق اقتصادها وتعوق التنمية الشاملة، فضلا عن أنها تحد من الدور الإقليمي لتركيا، لاسيما في ظل الصراعات الإقليمية الجارية، وتطلع العديد من القوى الإقليمية إلى استخدام القضية الكردية ورقة في صراعاتها وتطلعاتها.
اكتسبت القضية الكردية بعدا إقليميا ودوليا في السنوات الأخيرة، وفي ظل ثورات الربيع العربي التي أوحت للأكراد بوجود فرصة تاريخية لنيل حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم القومية.
“حزب العمال الكردستاني” الذي حظي ويحظى بدعم سياسي وعسكري من عدة دول إقليمية وعالمية مثل “روسيا وألمانيا وإيران وسوريا وإسرائيل” وفق الرواية الرسمية التركية، رأى في الثورة السورية وتطوراتها اللاحقة وخصوصا ضعف سيطرة الدولة المركزية على شمال البلاد فرصة تاريخية لتحقيق حلم الأكراد بكيان سياسي لهم في المنطقة، خصوصا مع وجود نموذج إقليم شمال العراق على هامش أزمة شبيهة هناك.
هذه التطورات، وما سبقها من تكديس حزب العمال الكردستاني للسلاح حتى خلال فترة التهدئة التي سادت بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية بين 2013 ،2015 وعملية التسوية، أدت إلى أزمة ثقة عميقة بين الطرفين، وخصوصا من جهة الحكومة بالحزب.
ترى “الحكومة التركية” أن الحزب غير جاد بمناداته بين الحين والآخر للعودة لطاولة المفاوضات وتعتبرها محض مناورات منه لكسب الوقت والتغطية على خسائره الكبيرة في المواجهات الأخيرة، ولذلك لا تبدو في وارد التجاوب مع هذه الدعوات أو مع الضغوط الممارسة عليها داخليا وخارجيا لوقف العمليات العسكرية والأمنية وإعادة إحياء عملية التفاوض معه.
هنا، تبدو الحكومة أكثر قربا من مقاربة المؤسستين الأمنية والعسكرية وأبعد نسبيا عن رؤيتها السابقة بضرورة الحل الشامل، أي السياسي، الاقتصادي، التنموي، الاجتماعي، الأمني، وهو ما يفسر تصريحات الرئيس التركي في 28 مارس/آذار الفائت، حين تحدث عن أن حصيلة المواجهات منذ يوليو/تموز الفائت هي: 355 “شهيدا” من الجيش والشرطة في مقابل 5357 “قتيلا” من “الإرهابيين”، قائلا “المعادلة الآن أنهم يقتلون منا واحدا، فنسقط منهم عشرة”.
وتدرك القيادة السياسية التركية مدى حاجتها لبديل عن -أو على الأقل شريك آخر مع- حزب العمال في عملية التسوية رغم صعوبة ذلك خصوصا على المدى القصير، ولذلك تسعى للتواصل مع أطراف مختلفة، منها العشائر الكردية وبعض الأحزاب ذات التوجه الإسلامي أو المحافظ والشخصيات الاعتبارية ومؤسسات المجتمع المدني الناشطة في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
صحيح أن المشكلة الكردية في تركيا تمر بمرحلة صعبة وتبدو على مفترق طرق تاريخي وتحمل مخاطر التدويل والخروج عن السيطرة، إلا أن الفرصة لم تفت بعد على تفعيل الرؤية السياسية الحكيمة بعيدة النظر والمستعدة للتضحيات والتنازلات الصعبة في سبيل الإنجاز التي طالما اتسمت بها سياسات العدالة والتنمية حتى الآن فيما يتعلق بالقضية الكردية في تركيا.
المركز الصحفي السوري_مواقع