يعد دعم المعسكر الغربي المالي والسياسي لنظام الملالي جزءًا من مشروع الفوضى الخلاقة المستمرة بالمنطقة والتي تلبي مصالح ذلك المعسكر… فلا العراق أصبح ديمقراطيًّا مزدهرًا يسوده القانون وحقوق الإنسان، ولا نظام الملالي سيتراجع عن نهجه الإبادي الهدام في المنطقة، ولا الشعب الإيراني ومقاومته وقواه السياسية الوطنية سيستسلمون ويتراجعون عن مشروعهم المتضمن إسقاط النظام وإقامة إيران جديدة ديمقراطية حرة وغير نووية، ويبدو أن مسيرة الشعب والمقاومة هذه نحو الديمقراطية لا تروق للمعسكر الغربي لذلك تهافتت مليارات دولاراتهم على نظام الملالي وأُنفِقت هذه المليارات في قمع الشعب الإيراني ودعم الإرهاب والتطرف.
المبكي المضحك
لم يكد ينتهي اليوم الأول من طوفان الأقصى حتى بدت تصريحات مسؤولي نظام الملالي تنهال بما يوحي بضلوع الملالي في هذه العملية، والمبكي المضحك في هذه المهازل هو أنه لم تكن المليارات الأمريكية حاضرة وحدها في طوفان الأقصى بل كان الموقف السياسي الأمريكي حاضرًا المشهد أيضًا، وقد تجلى ذلك بالدفاع الأمريكي متعدد الجهات عن الاتهامات الموجهة لنظام الملالي بضلوعه في عملية طوفان الأقصى بحسب قول الأمريكان لا توجد أدلة على تورط إيران في هذه العملية، وفي الوقت ذاته جيشت أميركا الجيوش والمعدات والعتاد والأموال على وجه السرعة للتحرك إلى شرق المتوسط.. تُرى ماذا بين الملالي والإدارة الأمريكية (الموقف حميمٌ جدًّا وعلى درجة عالية من الإثارة).
وقوف أمريكا إلى جانب إيران في عملية طوفان الأقصى الحالية
أطلقت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023 عملية عسكرية واسعة النطاق ضد إسرائيل حملت اسم “طوفان الأقصى”، وذلك ردًّا على الاعتداءات المستمرة التي تشنها قوات الاحتلال على الفلسطينيين في المسجد الأقصى ومدينة القدس وكافة الأرجاء الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن العملية تمثل تهديدًا لأمن إسرائيل إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي أحد أبرز حلفاء إسرائيل وحُماتِها قد أعلنت على ما يبدو أنه وقوفٌ إلى جانب إيران في هذه العملية، وقد أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من العملية؛ لكنها أكدت أنها لن تدعم أي رد عسكري إسرائيلي ضد إيران، وقد برر المسؤولون الأمريكيون موقفهم هذا قائلين إن إيران هي قوة إقليمية مهمة، ويمكن أن تلعب دورًا في استقرار المنطقة كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في الحفاظ على علاقاتها مع إيران من أجل ضمان أمن المنطقة، وعلى صعيد آخر جيشت الجيوش وتعهدت بالأموال والسلاح والعتاد وكل ما يلزم.
الآثار المترتبة على وقوف أمريكا إلى جانب إيران في عملية طوفان الأقصى
وقوف أمريكا إلى جانب إيران في عملية طوفان الأقصى أمرٌ يكشف المستور وله آثاره الخطيرة على المنطقة، ومن أهم هذه الآثار:
• تعزيز نفوذ إيران في المنطقة: يمنح وقوف أمريكا إلى جانب إيران الشرعية للنظام الإيراني في قمع الشعب والمعارضة ومُطلق الصلاحية بالتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية، كما أنه يعزز من مكانة نظام الملالي في المنطقة، ويجعلها أكثر قدرة على تحقيق أهدافها.
• زعزعة استقرار المنطقة: يؤدي وقوف أمريكا إلى جانب نظام الملالي إلى زعزعة استقرار المنطقة، وزيادة التوتر بين هذا النظام والدول العربية والإسلامية، كما أنه يفتح الباب أمام المزيد من الصراعات والنزاعات في المنطقة.
• تقويض جهود السلام في المنطقة: يضر وقوف أمريكا إلى جانب نظام الملالي بجهود السلام في المنطقة؛ حيث أن الملالي هم أحد أهم الجهات الفاعلة في الصراع العربي الإسرائيلي، ووقوف أمريكا إلى جانبهم يعقد من مهمة التوصل إلى حل سلمي للصراع.
الانتقادات الموجهة إلى أمريكا
فيما يلي بعض الانتقادات التي وُجِهت إلى الموقف الأمريكي:
• عدم التزام أمريكا بالتزاماتها تجاه إسرائيل: تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم أمن إسرائيل، وعلى النقيض من ذلك وقوفها إلى جانب إيران في عملية طوفان الأقصى، فهل يعني ذلك أنها تخلت عن هذا التعهد أم أن هناك ما تُخفيه الأطراف الثلاثة.
• ازدواجية المعايير الأمريكية: تتهم الولايات المتحدة الأمريكية نظام الملالي بدعم الإرهاب، وفي الوقت نفسه تدعم هذا النظام ماليًّا وسياسيًّا.
• تشجيع إيران على التصعيد: يمنح وقوف أمريكا إلى جانب نظام الملالي الشرعية له في التصعيد ضد إسرائيل في ظاهر الأمر، وفي كل الأحوال سيؤدي ذلك إلى زيادة حدة التوتر في المنطقة.
التوصيات المقدمة لأمريكا
فيما يلي بعض التوصيات التي يمكن تقديمها للولايات المتحدة الأمريكية:
• التراجع عن موقفها الحالي، ودعم عجلة السلام بالمنطقة، ودعم انتفاضة الشعب الإيراني ومشروع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في مواجهة نظام الملالي وإسقاطه إذا كانت أميركا تريد فعلًا أمن واستقرار الشرق الأوسط.
• فرض عقوبات على جميع قادة النظام الإيراني والاعتراف رسميا بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كبديل شرعي للملالي في إيران كذلك الاعتراف بحق الشعب الإيراني في الدفاع عن نفسه بشتى السبل المُتاحة له.
دعم جهود السلام في المنطقة، بما في ذلك الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي ومن بينها إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وجهات النظر حول عملية طوفان الأقصى الحالية
تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن وقوفها إلى جانب نظام الملالي في عملية طوفان الأقصى هو موقف صائب ويخدم مصالحها في المنطقة، وترى أن نظام الملالي قوة إقليمية مهمة ويمكن أن تلعب هذه القوة دورًا في استقرار المنطقة إذا ما تم احتواءها والتعاون معها، كما ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقاتها مع نظام الملالي من أجل ضمان أمن المنطقة.
وجهة النظر الإسرائيلية
تعتقد إسرائيل أن موقف أمريكا تجاه طوفان الأقصى هو موقفٌ مخزٍ، ويكشف عن ازدواجية المعايير الأمريكية؛ حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي أحد أبرز حلفاء إسرائيل تقف إلى جانب دولة قمعية مثل إيران، وترفض الاعتراف بجرائمها، كما أن إسرائيل ترى أن موقف أمريكا يشكل تهديدًا لأمنها، ويزيد من حدة التوتر في المنطقة.
وجهة النظر الفلسطينية
تعتقد فلسطين أن موقف أمريكا تجاه طوفان الأقصى هو موقف إيجابي ويدعم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما أن فلسطين ترى أن موقف أمريكا يساهم في الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها ضد الفلسطينيين.
وجهة النظر العربية
تعتقد الدول العربية أن موقف أمريكا تجاه طوفان الأقصى هو موقف مخزٍ ويكشف عن ازدواجية المعايير الأمريكية؛ حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل وهي دولة احتلال، وتقف إلى جانب نظام الملالي وهو نظامٌ مُتطرف ومعادٍ للعرب، كما ترى الدول العربية أن موقف أمريكا يساهم في زعزعة استقرار المنطقة، وزيادة التوتر بين العرب وإسرائيل.
الخاتمة
إن عملية طوفان الأقصى هي خطوة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى زيادة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، لكنها لفتت الانتباه إلى أهمية وضرورة العمل على إيجاد حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتعجيل بإقامة الدولة الفلسطينية من أجل تجنب مخاطر اندلاع حرب شاملة في المنطقة وقطع السُبل على كل من يصطاد بالماء العكر ذلك الماء الذي أوجده الغرب بمواقفه المتخاذلة تجاه الشعب الفلسطيني.
أما فيما يتعلق بموقف أمريكا تجاه طوفان الأقصى فهو موقفٌ مثيرٌ للجدل، ويثير ردود فعل متباينة من قبل مختلف الأطراف المعنية، وتختلف وجهات النظر حول هذا الموقف حسب المصالح والأهداف التي يسعى كل طرف لتحقيقه، ويُعتبر وقوف أمريكا إلى جانب إيران في عملية طوفان الأقصى موقفًا مخزيًا يكشف عن ازدواجية المعايير الأمريكية خاصة أن أميركا وهي أحد أبرز الدول الديمقراطية في العالم تقف إلى جانب نظام قمعي مثل نظام الملالي وترفض الاعتراف بجرائمه وتدعمه وتموله.
يرى البعض أن عملية طوفان الأقصى قد تؤدي إلى زيادة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، وأنها ستؤدي إلى ما يلي:
• تصعيد التوتر بين إسرائيل وإيران: ستؤدي العملية إلى تصعيد كبير في التوتر بين إسرائيل و نظام الملالي مما يزيد من احتمال وقوع صراع عسكري بين البلدين.
• زيادة الصراعات في المنطقة: قد تؤدي العملية إلى زيادة الصراعات في المنطقة؛ حيث يمكن أن تُزيد من مشاعر الكراهية والعنف بين مختلف الأطراف المعنية.
• تزايد الإرهاب: قد تؤدي العملية إلى تزايد وتيرة الإرهاب في المنطقة.
• جاءت العملية خدمة لإسرائيل والملالي: يرى البعض أن هذه العملية جاءت خدمةً لإسرائيل ومسوغًا لقمعها للشعب الفلسطيني والتعدي على ممتلكاته ومقدساته، وفي الوقت ذاته تُثبت هذه العملية وتسوق لمدى قدرة الملالي وأهمية دورهم في المنطقة ووجوب القبول بهم كأمر واقع كما يفرضهم الغرب الآن.
ويبدو مما نراه ونسمعه أن ما يجري خلف الكواليس أعظم ومرعب.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي