اجتمع فنانون سوريون في مخيم الزعتري للاجئين وشكلوا جماعة أطلقوا عليها اسم “فن من الزعتري” تهدف لإعادة بناء أشهر معالم سوريا التاريخية في نماذج مصغرة.
لندن: أمضى محمود حريري شهورًا يعمل على بناء نموذج لمدينة تدمر في ورشة مخيم الزعتري شمال الأردن. واستخدم أسياخ الشاورما والطين لوضع اللمسات الأخيرة على عمله الفني. ولم يعرف في تلك اللحظة بالذات ان مسلحي تنظيم “داعش” كانوا يتقدمون على المدينة الأثرية لانتهاكها.
قال محمود “إن تاريخنا يتعرض للتدمير، ليس تاريخ سوريا وحدها بل تاريخ العالم. فعمر هذه المواقع يمتد آلاف السنين وحين تُدمر لا يمكن أن يُعاد بناؤها كما يعاد بناء طريقف أو مطار”.
“فن من الزعتري”
كان محمود معلما يدرس تلاميذه الفن حين هرب عام 2013 من منزله في مدينة درعا عام 2013 حيث اندلعت شرارة الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد. وقال انه غادر مثل الآخرين هربا من قنابل النظام ودباباته.
وفي مخيم الزعتري التقى حرير سبعة فنانين آخرين من درعا. وفي نهاية عام 2014 شكلوا جماعة أطلقوا عليها اسم “فن من الزعتري” وبدأوا مشروعا لإعادة بناء أشهر معالم سوريا التاريخية في نماذج مصغرة.
وصنع الفنانون في ورشة المخيم 12 نموذجًا مستخدمين ادوات بسيطة وما يتيسر من مواد تقع أياديهم عليها، بما في ذلك الاسمنت ومئات الأسياخ الخشبية.
وإلى جانب تدمر أعاد الفنانون بناء جسر دير الزور المعلق الذي بناه الفرنسيون عام 1927 على نهر الفرات وقلعة حلب التي تعود الى القرون الوسطى وسط المدينة وتستخدمها قوات النظام الآن قاعدة عسكرية بعد اصابتها بأضرار جسيمة.
لغة لا تحتاج إلى ترجمة
القوة المحركة وراء المشروع أحمد حريري مهندس الكومبيوتر الذي هرب ايضا من درعا عام 2013. وحين علم بوجود الفنانين اقنعهم بالتعاون للحفاظ على تاريخ سوريا بفنهم.
وأوضح أحمد لصحيفة الغارديان البريطانية ان الفنانين اختاروا هذا المشروع “للفت الانتباه الى ما يحدث في سوريا حيث العديد من هذه المواقع مهددة أو دُمرت بالفعل”. وأضاف أنه شعر بأن المشروع طريقة مناسبة لايصال الرسالة “لأن الفن لغة لا تحتاج الى ترجمة”.
وقام الفنانون بتنزيل صور المواقع على هواتفهم للاسترشاد بها وعملوا من الذاكرة بعد ان زاروا المواقع حين كانوا في بلدهم.ومن خلال المعرض الذي اقامته جماعة “فن من الزعتري” في المخيم أسهم المشروع في اعادة ربط اللاجئين بتراثهم الثقافي. وكان المعرض بالنسبة لعشرات آلاف الأطفال فرصتهم الأولى لرؤية هذه المعالم الأثرية الشهيرة في بلدهم.
وقال احمد ان اشهرا من العمل على صنع النماذج بكل تفاصيلها اتاحت استغراق الفنانين في نشاطهم الابداعي وانشغالهم عن حياتهم في المنفى لبعض الوقت. وبالنسبة للاجئين كان من المفيد ان يبعدوا افكارهم عن الحرب وما يسببه وضعهم من اكتئاب.
إحداث فرق
وإزاء حجم المعاناة والدمار الذي نزل في سوريا وشعبها بعد نحو خمس سنوات من النزاع قد تبدو فكرة استخدام الفن للاحتجاج أو حتى مواجهة التدمير فكرة عقيمة للبعض.
ولكن معلم الفن محمود يعتقد انه والفنانين الآخرين يستطيعون أن يحدثوا فارقا وهم يعتبرون عملهم بيانا عما يجري في سوريا، وإذا كانوا لا يستطيعون وقف التدمير فانهم على الأقل يحافظون على ذاكرة تلك المواقع لأنفسهم واللاجئين الذين يرونها.
وقال محمود “إن الفنانين هم روح الشعب السوري وان الكثير مما نعرفه عن الحضارات القديمة أو اقوام ما قبل التاريخ حُفظ من خلال الفن الهيروغليفية المصرية أو رسوم الكهوف ولهذا نشعر ان لدينا دورا مهما نقوم به”.
إيلاف