لو استعرضنا بعضاً من تاريخ العلاقة الأمريكية الإيرانية لوجدنا أنها كانت وطيدة مرة ومرت بمنعطفات خطيرة في أكثر الأحيان، فقبل الثورة الإيرانية عام 1979 وفي زمن الشاه رضا بهلوي كان هناك علاقات جيدة بين البلدين، ومع قيام الثورة واحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران توترت العلاقات إلى حدود غير مسبوقة ثم قامت الحرب العراقية الإيرانية فوقفت الولايات المتحدة مع العراق وقامت بدعمه في تلك الحرب ثم تدخلت عام 1988 م مباشرة وضربت عدد من المنشآت الإيرانية، كما قامت بإسقاط طائرة ايرانية مدنية، وقتل فيها “290” شخص، لكن في ظل هذه التوترات كشف عن علاقات سرية تحت الطاولة وفضيحة الرئيس ريغان فيما سمي آنذاك إيرانييت.
ومع دخول الأمريكيين الحرب في العراق، وقفت إيران بوضوح إلى جانب أمريكا ووصل حلفاؤها بمساعدة أمريكية إلى السلطة في بغداد، في حين تهمش حلفاء الخليج السنة رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها دول المنطقة وخاصة الخليجية منها في هذه الحال، ثم بدأت سياسة الاحتواء التي نهجتها الولايات المتحدة تجاه إيران، بسبب برنامجها النووي المعلن، وشهدت هذه الفترة توترات كبيرة أوحت لكثير من المراقبين أن بشائر حرب تلوح في الأفق مع وقوف إيران العلني ضد الثورات العربية لا سيما الثورة في سوريا، مما أنتج مفاوضات ماراثونية بينما يسمى (6+1)مع إيران، أي الدول الست الكبرى برعاية الأمم المتحدة وإيران، وكان في ظاهرها أنها مفاوضات عبثية لأن تقود إلى شيء في نهاية المطاف، وخاصة ما كان يؤكد هذا الانطباع التصريحات النارية التي يطلقها المفاوضون مع نهاية كل جولة من المفاوضات، وخاصة الصراخ القوي الذي كان يطلقه وزير خارجية فرنسا، والذي كان يوحي أن فرنسا ستقاوم أي اتفاق منفرد بين أمريكا وإيران.
لكن الخرق المفاجئ والذي أذهل المراقبين السياسيين المهتمين في شؤون المنطقة وأذهل القادة الإقليميين الذين كانوا مطمئنين أنه لا ملامح اتفاق في الأفق.
وكان ذلك الخرق يتمثل بمفاوضات سرية تجري بعيداً عن الأضواء في العاصمة العمانية مسقط، في الوقت الذي كانت تتجه الأنظار إلى فيينا حيث الاستعراضات الكبيرة التي يقوم بها المفاوضون لجذب الأنظار إليهم، أفضت هذه المفاوضات في نهاية المطاف إلى الاتفاق النووي الشهير، وبعد عدة أشهر منه بدأ الغزل بين الأطراف، عندما حان تطبيقه، فقد أفرجت كل من الولايات المتحدة وإيران عن سجناء سياسيين لدى البلدين، كانوا متهمين بتهديد الأمن القومي لكلا البلدين، ثم أتبع ذلك عمل استعراضي دعائي آخر بين الطرفين، تمثل بدخول زورقين أمريكيين للمياه الإقليمية الإيرانية واحتجاز عدد من البحارة الأمريكيين الذي تواجدوا على متن هذه الزوارق، ثم أفرج عنهم بعد فترة قصيرة، بداعية الدخول الخاطئ، مما أظهر سيلا من التصريحات الأمريكية بالثناء على التصرف الإيراني، وحسن المعاملة من الرئيس أوباما ووزير خارجيته، وبعد يومين فقط في 15 من هذا الشهر، التقى المفاوضون من جديد في فينا، واتفقوا على تطبيق الاتفاق، وسط تصريحات كبيرة على إيران والالتزام برفع العقوبات عنها، وإعادة مبالغ محتجزة من المال في المصارف الأمريكية، مع تحفظ خجول من الادارة الأمريكية على برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، وقلقها إزاء ذلك والتهديد بعقوبات جديدة عليها مع الالتزام برفع العقوبات السابقة.
كل ذلك يحدث وسط استياء عربي وخليجي دون فعل يذكر، وقد تم التعبير عن هذا الاستياء من خلال التوتر الذي شهدته العلاقات الخليجية الإيرانية مؤخراً، دون أن تلقي الولايات المتحدة بالاً لارتدادات ذلك التوتر على دول المنطقة أو الخلل الاستراتيجي الذي حصل في المنطقة، مع الالتزام الدائم لأمريكا بأمن الخليج، وفي الوقت الذي تنمو فيه إيران اقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً وسط تراجع كبير في الوضع العربي، مع انخفاض أسعار النفط إلى حدود غير مسبوقة، لتصل إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد، مما أثقل خزانات الدول العربية النفطية واندلاع الثورات العربية التي تعثرت في كثير من الدول، كسوريا واليمن وليبيا، مما أفضى إلى كوارث على المستويات السياسية والعسكرية والثقافية، وبدت هذه البلدان تتهدد في وحدتها ووجودها، ووسط تدخلات عسكرية وسياسية في شؤونها، بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى حرب باردة جديدة على الأرض العربية وامتداد كبير لنفوذ إيران في المنطقة، وسط مباركة ومساعدة روسية معلنة، وأخرى أمريكية وغربية تحت الطاولة، تظهر آثارها بالتصرفات التي تقوم بها هذه الدول على الأرض وغياب مشروع عربي أو اقليمي مضاد وواضح يتنماه المواطن العربي ويتبناه.
المركز الصحفي السوري
أحمد الإدلبي