يقف العالم اليوم برمته موقف لا يحسد عليه في ظل الفوضى المتنامية يوماً بعد يوم في جهاته الأربعة وانتقالها عبر الحدود من بلد إلى آخر كمرض عضال يستشري في الجسد العالمي منذ انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والإتحاد السوفييتي سابقاً, الديكتاتوريون يزيدون من التسلط وصب جام غضبهم على شعوبهم الضعيفة, والديمقراطيات الليبرالية تبدو في وضع ضعيف وعلى وشك إعلانها الفشل في بعض الدول بعد سجل باهر من النجاح امتد لسنوات طويلة, كما أن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية يتلاشى مع استفحال القتال عبر الحدود, في حين فشلت المؤسسات الدولية التي بنيت على الأقل نظرياً, لتكون بمثابة مكابح للذبح الوحشي في تقديم الحلول, مع تصاعد موجة الغضب من قبل الحركات الشعبوية لتتحول إلى حالة من التذمر والرفض لدور المؤسسات الدولية القائمة في يومنا هذا, وربما تنحرف وتتحول إلى تيارات تحمل إيديلوجية دينية معينة ربما تستهدف المسلمين في مراحل أكثر تقدماً.
يبدو أن العالم في الغرب تحديداً يراقب كل هذه المعطيات التي تحدثنا عنها جيداً, ويدرك ما يمكن أن يتمخض عنها من مخاطر تهدد تجربته الحالية في التربع على عرش السيادة الدولية للشعوب, لذلك اتجه الغرب عموماً لاتباع سياسة تتميز بضبط النفس وأحيانا النأي بالنفس عن الأسباب والنتائج للصراعات التي تدور خارج حدود أمنه طالما أن “المسلمون يقتلون مسلمين”,وهذا ما يفسر لنا تلك المواقف الهزيلة للدول الغربية تجاه ما يجري من سورية من مجازر يرتكبها نظام حاكم مستبد مدعوم من أطراف دولية ضد شعب أعزل ثائر, لتتحول قوانين وأنظمة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المفترض أن تكون بمثابة القانون الذي ينظم “شريعة الغاب” إلى مجرد شعارات خيالية فقط.
وبينما تدخل الحرب عامها السابع، يرتفع عدد القتلى إلى 400 ألف شخص، إضافة إلى تشريد الملايين وتحولهم إلى نازحين ولاجئين يطرقون أبواب أوروبا. إن مفهوم العالم (بعد الحرب)، الذي لم يعد يسمح للقادة بقتل مواطنيهم دون تمييز، يبدو الآن في تراجع كامل، فعملية القمع التي قام بها النظام السوري ضد شعبه مازالت مستمرة عاماً بعد آخر؛ وما يحدث في سورية لم يسبق له مثيل في العالم. ويبرر الأسد ما يقوم به من قمع ضد شعبه، بالمفهوم الذي انتشر عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو “محاربة الإرهاب”.
القتل الوحشي في سورية هو الحدث الأبرز في كل هذه الأحداث المتسارعة التي كشفت “عورة” المجتمع الدولي ومجلس الأمن في وضع حد لتصرفات أشخاص ينتهجون سياسة القتل والإرهاب لتركيع الشعوب في القرن الحادي والعشرين, وكل القرارات والمحاولات التي حاولت بعض الأطراف الدولية تطبيقها إزاء إيقاف شلال الدماء النازف في سورية منذ ما يزيد عن ست سنوات حتى الآن باءت بالفشل, وكان آخرها الضربات الصاروخية الأمريكية ضد قاعدة جوية تابعة للنظام السوري في حمص عقب مجزرة خان شيخون الكيماوية في ريف إدلب والتي ذهب ضحيتها العديد من الضحايا المدنيين, فظهر ذلك التصرف الأحادي من قبل الولايات المتحدة الامريكية بموقف الهزيل والضعيف والذي لم يغير من الواقع شيء, إذ لم يمض على تلك الهجمات أيام قليلة حتى عاد النظام السوري لسياسة القصف العنيف بدعم جوي روسي.
يبدو واضحاً أنه لا يوجد توافق في الآراء، حول ما كان ينبغي أو مايزال من الممكن القيام به بالنسبة لسورية، أو ما إذا كان هناك نهج دولي أكثر صرامة، من شأنه أن يحقق نتائج أفضل. وحافظ البيت الأبيض في عهد باراك أوباما على حياده حيال سورية، لتجنب أخطاء غزو العراق واحتلاله، وزعم القادة الغربيون أنه على خلاف الحرب الأهلية في البوسنة في التسعينات، فإن الصراع السوري يمكن أن يشتعل بعيداً عن بلدانهم، سواء كان ذلك أخلاقياً أم لا، وهذا الحساب غير صحيح، لقد تجاوزت الأزمة عتبة أوروبا وتتجلى في سياستها.
بغض النظر عن الرغبة الغربية في إيجاد حل حقيقي من شأنه إنقاذ الشعب السوري من المذبحة المستمرة أو عدم توفر النوايا الصادقة لذلك, يبدو المشهد الأوروبي غير مكترث بحقيقة إبادة الإنسان للإنسان طالما أنها لا تقع على مواطن ينتمي إليها, أو ربما تكون الرغبة الخفية في إطالة أمد الصراع في سورية هي الاحتمال الأكبر لتهيئة العالم إلى نظام عالمي جديد تزول فيه حتى شعارات الإنسانية وتكرس فيه شعارات المصالح والمشاريع الاستعمارية الكبيرة, لذلك فالغرب غير مكترث بدماء السوريين في نهاية المطاف..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.