قال مراسل صحيفة “الغارديان” في واشنطن جوليان بورغر، إن الرئيس دونالد ترامب جعل من الفوضى أمرا عاديا، وتدفع الولايات المتحدة الثمن نتيجة لهذا.
وأضاف أن حجم الاضطراب المطلق في عهد ترامب وفيضان الأحداث التي لم يكن أحد يفكر بها من قبل في الماضي زعزعت توازن البلد ولم يعد قادرا على ما فهم ما يحدث. ولكن أحداث اليومين الأخيرين كانت تذكيرا بالمنعطف الذي وجدت أمريكا نفسها أمامه، فهناك أكثر من مئة ألف وفاة بسبب فيروس كورونا، وذلك بسبب المحاولة الفاشلة للحكومة السيطرة على الوباء، وهناك سيارات مصفحة وجنود يقفون أمام محطات القطار في واشنطن، ورجال بالزي العسكري يحملون بنادق القناصة ظهروا من الأبواب المفتوحة للمروحيات كانت تحلق فوق المناطق التجارية.
فيما حلقت مقاتلة عسكرية فوق مجموعة من المحتجين بطريقة قريبة بحيث تحرك الهواء حولهم بسبب مروحياتها. وفي يوم الإثنين تم تنظيف الشوارع المحيطة بالبيت الأبيض واحتلها الرجال المدججون بالسلاح لفتح الطريق أمام الرئيس ترامب كي يقف أمام كنيسة تضررت قليلا يوم الأحد وتلتقط له صورة وهو يحمل الإنجيل. وتم منع القساوسة وطلاب المدرسة الدينية في الكنيسة الذين كانوا يوزعون الماء والمطهرات على المتظاهرين من الوقوف أمام الكنيسة حتى لا يكونوا في طريق الرئيس. وتم أخذ نسخة من الإنجيل من داخل الكنيسة ليحمله الرئيس، وعندما سأله الصحافيون إن كانت نسخته أم لا أجاب أنه “إنجيل”.
ويقول بورغر إن مستوى الإهانات الجديدة أصبحت بدرجة لم يعد أحد قادرا على هضمها او وصفها، فقد تم استهداف المتظاهرين السلميين والصحافيين وشاب أمريكي يدعو إلى التفاهم المتبادل وأصحاب المحلات والبيوت خاصة إن كانوا من أصحاب البشرة السوداء.
وفي ليلة وضحاها تغيرت لغة الحكم، حيث قال وزير الدفاع إن المدن الأمريكية تحولت إلى ساحات معركة واستمتع الرئيس بالحديث عن “القوة الطاغية” و”السيادة” على المواطنين.
ومع كل لحظة خارقة تنزلق فيها البلاد تأتي معها أسئلة جديدة “كيف وصلنا إلى هذا الحال؟”. ويقول بورغر إن السبب في عدم القدرة على ملاحقة الانزلاق المتتابع هو التطبيع للفوضى.
فمن حول ترامب، يؤكدون أن الأمور عادية ولا شيء يحدث. ومن كانت لديه الشجاعة لنقد ما يجري داخل دائرة ترامب، يقول “هذا جنون” ترك الإدارة منذ زمن طويل.
ووجد ترامب وزير عدل لديه استعداد لصياغة الأوامر التنفيذية بما فيها من مبررات قانونية. ومن بين عصابة المسؤولين الذين مشوا وراء الرئيس لالتقاط صورته وهو يحمل الإنجيل، كان مارك إسبر وقائد هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي في زيّه العسكري، وكان وجودهما في ساحة لافاييت وسط المخلفات التي تركها المتظاهرون الهاربون، دليلا على تجاوز الخط الذي يفصل ما بين العسكري والسياسة المحلية التي يجب على الجيش ألا يتدخل بها، وكان وجودهم أيضا تأكيدا لصورة ترامب المحارب المستقيم ضد أعداء خبثاء في داخل البلد.
وأعلنت وزارة الدفاع لاحقا أن الرجلين لم يكونا يعرفان أين يسيران عندما تبعا ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض، ولم يكن لديهما أي فكرة عن الطريقة التي تم فيها تنظيف ساحة لافاييت من المتظاهرين.
ولكن النفي جاء من مسؤول رفض الكشف عن اسمه، فيما لم يشجب لا إسبر أو ميلي ما جرى علنا أمام الكاميرات.
وكان قانون التمرد الذي يعود إلى عام 1807 ولوّح به ترامب فوق رقاب الشعب، دليلا لم يكن واضحا لكي يستخدمه الرئيس ضد أماني الدولة.
ويرى الكاتب أن الخوف يفتح الطريق أمام عسكرة البلاد. فالنهب والدمار الذي حدث على هامش التظاهرات مخيف، ولكنه سبب لتكتيكات قوات حفظ النظام. وركّزت الشرطة على اعتقال المتظاهرين بدلا من ملاحقة الذين شاركوا في عمليات النهب، والعنف هو الذي يتسيد الأخبار.
والسبب الثاني الذي يجعل المتابع لما يجري في أمريكا غير قادر على فهم انزلاقها العميق هي المهزلة اليومية التي يقوم بها الرئيس نفسه، ففي يوم الثلاثاء طلب ترامب من زوجته ميلانيا أن تبتسم في أثناء زيارة لمزار خاصة للبابا السابق جون بول الثاني بواشنطن ولكنها ظلت متجهمة.
وقبل ذلك، كان منظر ترامب وهو يسير مع نصف حكومته إلى كنيسة سانت جون، إلى جانب شعارات مثل “ترامب ابن حرام” كتبت على جدار حمام عام.
ويختم بورغر مقالته بالقول إن من دروس التاريخ هي ضرورة الحذر من المهرجين، ولكن عندما يتحول كل يوم إلى مشهد من الغرابة وحرف الأنظار فهذه الدروس من الصعب تذكرها، “فنحن نحاول فهم ما يجري وبسرعة لأن كل يوم يجعلنا ننسى معنى الحياة العادية”.
نقلا عن القدس العربي