لا يزال الغموض يكتنف تفاصيل أحداث الساعات الأخيرة على الحدود المصرية الفلسطينية، التي شهدت قصفاً فجر الخميس، استهدف نفقا للتهريب، تسبب بمقتل فلسطينيين اثنين وإصابة آخرين.
وفي وقت نأت إسرائيل بنفسها عن الغارة، إذ نفى جيشها تنفيذ أي نشاط عسكري في تلك الليلة على حدود غزة، لم يصدر أي تعقيب من السلطات المصرية حتى اللحظة، لتبقى الجهة المسؤولة عن القصف مجهولة.
وجاء قصف النفق، بعد ساعات (مساء الأربعاء) من سقوط عدة صواريخ على مدينة إيلات (جنوبي إسرائيل) أطلقت من الأراضي المصرية.
وزارة الصحة بغزة أعلنت فجر الخميس، عن مقتل الفلسطينيين حسام الصوفي 24 عاما، ومحمد الأقرع 38 عاما، وإصابة 5 آخرين، في قصف قالت إنه إسرائيلي على الحدود الفلسطينية المصرية.
مراسل الأناضول بدوره، أفاد أن انفجارا هائلا سمع على الحدود الفلسطينية المصرية، تبين لاحقا وفق شهود عيان، أنه قصف استهدف نفقا تجاريا على الجانب المصري من حدود قطاع غزة.
وبحسب الشهود ذاتهم، فإن طائرات بدون طيار كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة على طول الحدود المصرية قصفت النفق، ما أدى إلى مقتل وإصابة فلسطينيين.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، اعتراضه ثلاثة صواريخ أطلقت من الأراضي المصرية تجاه مدينة إيلات، جنوبي إسرائيل، فيما سقط صاروخ رابع في منطقة مفتوحة (لم يحدد موقعها).
تنظيم “ولاية سيناء” المبايع لـ”داعش” الإرهابي، أعلن الخميس، مسؤوليته عن استهداف إيلات، في بيان للتنظيم الذي ينشط في منطقة سيناء (شمال شرقي مصر)، تداولته حسابات مناصرة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
ونأت إسرائيل بنفسها عن الغارة، إذ أفاد جيشها في تصريح مكتوب مقتضب أرسل نسخة منه للأناضول أمس: “لا معلومات عن أي نشاط إسرائيلي الليلة في غزة”.
من جهته قال يؤاف مردخاي، منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في تصريح صحفي حصلت الأناضول على نسخة منه: “تروّج حماس شائعات مفادها أن الجيش قام بقصف القطاع وأوقع إصابات، ننفي هذا الأمر جملة وتفصيلا”.
وعادة ما يسارع الجيش الإسرائيلي إلى الإقرار والإعلان عن هجمات ينفذها ضد فلسطينيين، وخاصة إذا ما كانت الهجمات في قطاع غزة.
ولكن صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية، قالت على موقعها الإلكتروني إن “الجيش الإسرائيلي يعتقد أن الغارة قد تكون نفذت من قبل المصريين”، دون أن تشير إلى أدلة على ذلك الاعتقاد.
وأضافت “تقديرات الجيش هذه جاءت بعد ساعات من إعلان الجيش المصري عن كشف وتدمير 6 أنفاق على الحدود بين غزة ومصر في الأشهر الماضية”.
ولم يصدر عن السلطات المصرية أي نفي أو تبني للغارة التي استهدفت النفق. كما لم تعقب أوساط رسمية أو غير رسمية على تلك الحادثة.
عدنان أبو عامر الكاتب الفلسطيني و الخبير في الشأن الإسرائيلي، رأى في نأي إسرائيل بنفسها عن الغارة أمرا ملفتا.
وأضاف للأناضول “إسرائيل ربما أرادت رمي الكرة في الملعب المصري، خوفا من تدحرج الأوضاع في قطاع غزة، واشتعال الوضع الميداني”.
ولم يستبعد أبو عامر أن تكون إسرائيل هي من نفذت الغارة، مستدركا بالقول: “ربما أرادت بهذا الصمت وعدم الإعلان، امتصاص ردة الفعل من قبل الفلسطينيين والانجرار نحو أتون معركة عسكرية جديدة”.
والاثنين الماضي، شهد قطاع غزة تصعيدا إسرائيليا، إذ شنت مقاتلات حربية سلسلة من الغارات العنيفة والمكثفة، ردا على إطلاق قذيفة صاروخية من القطاع سقطت جنوبي إسرائيل ، لم تسفر عن أي إصابات.
وقد ألمح مسؤولون إسرائيليون في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عبرية، إلى إمكانية شنّ حرب جديدة على غزة، في أعقاب الغارات.
وبحسب أبو عامر، فإن الإعلان الإسرائيلي عن الغارة (إذا ما تم) ربما يستوجب ردا فلسطينيا قد يسفر عنه تصعيد غير مسبوق.
ونقل موقع “الجزيرة” القطري عما وصفه بـ”مصادر إسرائيلية عسكرية خاصة” أن الجيش المصري هو من نفذ الغارة.
وفي حال كانت مصر، فإن أبو عامر يرى أنها ستواصل الصمت على الأقل في الوقت الحالي، وعزا ذلك إلى تحسن علاقتها مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وتابع “حتى لو كانت مصر لن تعلن. فهي معنية باستمرار العلاقة الجيدة مع حماس خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني”.
ويخوض الجيش المصري منذ نحو عامين ونصف، صراعا مع تنظيم “ولاية سيناء”، الذي أعلن في وقت سابق، مبايعته لتنظيم “داعش”.
واهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالبيان الذي صدر عن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشأن الغارة، حيث أنه لم يتضمن اتهاما للحكومة الإسرائيلية بالمسؤولية عن الغارة.
وجاء في نص البيان الذي صدر عن الحركة: “تنعي حماس، شهيدي الحصار؛ حسام الصوفي، ومحمد الأقرع، اللذين قضيا في قصف على الحدود المصرية الفلسطينية في مدينة رفح”.
واستنكرت حماس ما وصفته بـ”الجريمة” بحق عمال عزل يبحثون عن لقمة عيشهم وقوت أطفالهم، بحسب بيانها. ودعت إلى “ضرورة وضع حد للحصار المفروض على سكان القطاع”.
ويرى مراقبون في عدم تحديد بيان حماس للجهة التي تقف وراء الاستهداف، “رسائل مبطنة”، وتمت صياغته بدقة، لاعتبارات أهمها علاقتها مع مصر التي تشهد تحسنا ولا تريد تشويشها.
فيما لم تتهم إسرائيل علنا لتجنب الدخول في مواجهة جديدة معها.
من جانبه، توقع مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي، والكاتب في صحف محلية، وقوف إسرائيل وراء تنفيذ الغارة.
وأضاف “القصف جاء بعد سقوط الصواريخ من الأراضي المصرية على إيلات، وبالتالي ربما إسرائيل بصدد تنفيذ سياسة قصف أهداف تعتبرها مصدر خطر وإزعاج دون أن تعلن عن ذلك”، مشيراً أن إسرائيل تريد تنفيذ ما وصفها بـ”العمليات السرية”.
ولفت إلى أن دقة عملية استهداف النفق، وبتقنية عالية، دليل على أن الجيش الإسرائيلي هو من نفذها، مستدركا بالقول “هي لا تريد أن تعلن عن ذلك لتجنب التداعيات الخطيرة لما وراء الحدث”.
وفي حال كانت مصر هي من نفذت الغارة فإنها ستلتزم الصمت لمنع الإحراج مع غزة، وتحديدا علاقتها مع حماس. وفقاً للمحلل السياسي.
وتقول حركة حماس إن علاقتها مع مصر تشهدا تحسنا كبيرا في الآونة الأخيرة.
وعاد وفد أمني يتبع للحركة، السبت الماضي، إلى غزة، عبر معبر رفح البري، عقب زيارة قصيرة أجراها إلى مصر، دون أن يتم الإعلان عن تفاصيل الزيارة والمواضيع التي تم بحثها.
كما وأعلنت وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة (تديرها حماس) أنها بصدد تعزيز إجراءاتها الأمنية على الحدود مع مصر. فيما يبدو خطوة نحو تعزيز العلاقات.
من جانبها، نقلت مواقع فلسطينية عن شهود عيان، أن طائرة استطلاع نفذت الغارة على النفق الموجود من الناحية المصرية.
وبحسب تلك المواقع، فإن الجيش المصري لا يسيّر عادة مثل هذا النوع من الطائرات (في تلك المنطقة)، وهي تعود للجيش الإسرائيلي الذي يرجح أنه هو من نفّذ الغارة، رداً على إطلاق صواريخ من الأراضي المصرية تجاه مدينة إيلات.
قناة “الجزيرة” القطرية نقلت عن مراسلها في القدس، إلياس كرام، إن من غير المستبعد أن تكون إسرائيل هي التي نفذت الغارة بضوء أخضر مصري؛ لأنه يحظر عليها بحسب الاتفاقيات بين البلدين تجاوز الحدود والتواجد في سيناء أو على الشريط الحدودي جنوبي قطاع غزة.
في المقابل، رجح محمود إبراهيم، نائب رئيس مركز الاتحادية للدراسات في مصر وقوف الجيش المصري وراء الغارة، معتبراً أن من “حق الجيش المصري ضرب هذه الأنفاق غير الشرعية”.
ويعتمد سكان قطاع غزة على الأنفاق المنتشرة على الحدود المصرية لتوريد السلع والمواد الغذائية إلى القطاع، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الـ 12.
وعقب الإطاحة بحكم محمد مرسي (أول رئيس مدني مصري منتخب) في يوليو/ تموز 2013، وما أعقب ذلك من هجمات استهدفت مقارًا أمنية في شبه جزيرة سيناء المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، شددت السلطات المصرية من إجراءاتها الأمنية على حدودها البرية والبحرية مع القطاع، حيث طالت تلك الإجراءات، حركة الأنفاق.
وتعمل السلطات المصرية، منذ أكتوبر/ تشرين أول 2014، على إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتحديدًا في مدينة رفح، وبعرض 2 كيلو متر من أجل “مكافحة الإرهاب”، وفق ما تقول السلطات المصرية.
المصدر:وكالة الأناضول