يُروى أن الأصمعي ذات يوم قصد رجلًا في حاجة يلبيها له، لما اشتهر عنه من كرم وطيب نفس، ولما وصل إليه وجد على بابه حاجباً منعه من الدخول، تعجب الأصمعي من موقفه وهو الكريم، فقال له الحاجب: والله يا أصمعي ما أوقفني على بابه لأمنع من هو مثلك، ولكنه أوقفني لرقة حاله وقصور يده.
فجاء الأصمعي برقعة وكُتب فيها :
إذا كَانَ الكَريمُ لهُ حِجَابٌ
فَما فَضلُ الكريمِ على اللئِيم
ثم أعطاها للحاجب وطلب منه أن يوصلها إليه، فما كان من الحاجب إلا أن أخذها ودخل عليه يعطيه إياها، فلما قرأها الرجل الكريم، جاء بِحبرٍ وكَتَبَ على ظهرها بيتاً من الشعر يقول فيه:
إذا كانَ الكريمُ قليلُ مالٍ
تَحَجَّبَ بِالحِجَابِ عنِ الغَريمِ
وأَمَرَ الحاجب أن يعيدها إليه مع صرة من المال فيها 500 دينار، فلما جاء بها الحاجب وسِلَّمَهَا لِلأَصمَعي سُرَّ بها وقال في نفسه: والله لأنقلنَّ خبر ذلك الرجل الكريم إلى المأمون، وعلى الفور تَوَجَّه نحو مجلس المأمون وطلب الإذن بالدخول، فلما أّذِنَ له امتثل بين يدي المأمون بصرة الدنانير، فسأله من أين جئت بها يا أصمعي!؟ فقال: من عند رجل من أكرم الأحياء، قال المأمون : ومن هو ؟
فدفع الأصمعي إليه بالرقعة والصرة، فتعجب المأمون وقال: هذه الدنانير من بيت مالي، ائتوني بذلك الرجل وطلب من الأصمعي إحضاره فقال: إنّي أستحي أن أُرَوِّعَه بعد أَن أَحسَن إليّ، فأمر المأمون رجلًا من رجاله بإحضار صاحب الصرة ، فلما حضر الرجل بين يدي المأمون، قال له: ألسْتَ أنتَ الذي بالأمسِ شكوتَ رِقَةَ الحال فأعطيناك هذه الصرة لتصلح بها حالك !! ولكن ما إن قصدك الأصمعي ببيت واحد من الشعر، حتى دفعتها إليه، فكيف كنت تشكي رقة الحال وفَرَّطتَ في الأموال ؟!
فقال الرجل : نعم والله ما كذبت فيما شكوت من رقة حالي، ولكني استحيت من الله أَن أُعِيدَ قاصداً جاء لبابي، فَرَدَّ عليه المأمون قائلًا: للهِ أنتَ يا رَجُل، ما ولدتِ العَربُ أكرَمَ مِنكَ، وبالغ المأمون في إكرامه وجَعَلهُ واحدًا من نُدمائه.
ومن يومها صار هذا القول مثلًا وطَوَّرَتهُ العامة من بعدها ليصبح .. (العين بصيرة واليد قصيرة).