لا تُمضي الجغرافيا التركية أياماً جيدة خلال الفترة الأخيرة. في الواقع عند النظر إلى تاريخ المنطقة نلاحظ عدم انتهاء الصراع والتوتر بعد انهيار الدولة العثمانية. ومنذ ذلك الحين عاشت الدول كافة أنواع التوتر على الصعيدين الداخلي والخارجي. أصبحت فلسطين جرحاً ينزف باستمرار. لم يخرج العراق من وضعية الحرب منذ الثمانينات. منذ 6 سنوات والشعب السوري يخوض حرباً أهلية بعد معاناته من ظلم عائلة الأسد لعشرات السنين. فقد مئات الآلاف من الناس أرواحهم، كما أجبر الملايين منهم على الهجرة واللجوء.
انهارت مدن هذه الدول، ونحوّلت إلى ساحات تُخاض فيها حروب بالوكالة من قبل قوى كبرى. لم تُحكم مصر من قبل شعبها أبداً، ما غن يذهب ديكتاتوري فيحلّ مكانه ديكاتوري آخر. ما إن اعتقدت مصر أنها تخلصت من حسني مبارك حتى ظهر السيسي. ليبيا تدمرت. اليمن تخوض حروباً أهلية. حتى تونس التي تُعد الدولة الأكثر تقدماً في إطار التحول الديمقراطي تسير على نظام هش بالرغم من جميع تنازلات غنوشي.
مؤخرا بدأت السعودية بالضغط على قطر. إنها تتخذ خطوات تسبب ولادة صراع وتوتر جديد في المنطقة. وقدمت السعودية “التي تتظاهر بأنها تخوض صراعا ضد إيران” إلى دولة قطر قائمةً من المطالب، تشتمل على بند يشترط إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة.
إن المتسبب في كل هذه الفوضى والأزمات هي الأسباب الدولية. في حين أن السبب في وصول الشرق الأوسط إلى ما هو عليه هو عدم قدرته على تشكيل قوة كبرى تحقق الاستقرار الداخلي في المنطقة.
لم يظهر عامل جديد يمكنه تحقيق الاستقرار في المنطقة بعد انهيار نظام حكم الدولة العثمانية. بعبارة أخرى، لم يتمكن العالم الإسلامي من تشكيل قوة عظمى يمكنها تمثيلهم والدفاع عنهم أمام النظام الدولي، مما أدى إلى تحول هذه المناطق إلى ساحات صراع للقوى الخارجية. على سبيل المثال، تحولت ألمانيا إلى ساحة صراع للقوى الخارجية بعد انهيارها. استمرت حروب الولايات الألمانية لـ 30 عاماً، استغلت خلالها القوى الخارجية مثل فرنسا وإنجلترا الموقف لتقوم بتأجيج نار الحرب في المنطقة.
عندما تقسمت ألمانيا إلى جبهتين شرقية وغربية، أصبحت مدينة برلين ساحةً تخوض فيها أمريكا والاتحاد السوفيتي حروبها الباردة. يصبح تحقيق الاستقرار والسلام شبه مستحيل في المناطق المتجزئة إلى هذه الدرجة.
لن يكون إيجاد شركاء في الداخل أمراً صعباً بالنسبة إلى القوى الخارجية. ليس من الصعب أن تجد أشخاصاً يضحون بمصلحة شعوب الشرق الأوسط من أجل مصالحهم العائلية، العشائرية، المذهبية أو حتى مصالحهم الشخصية.
تتخذ بعض الدول العربية خطوات تؤجج سياسة توتر لا نعرف الهدف منها، دافعةً بذلك ليس بنفسها فقط، بل بالمنطقة أجمع إلى الهلاك.
إن خلق أجواء التوتر يُعدّ أمراً سهلاً بالنسبة إلى السعودية نظراً إلى أنها تخوض صراعاً ضد دولة مشابهة لها والتي هي إيران.
ستبقى تركيا المثال الأكبر للاستقرار والسلام في المنطقة لطالما حافظت على موقفها ولم تقع في هذه الحرب المذهبية، حتى إنها يمكن أن تصبح مصدر الاستقرار في المنطقة يوماً ما.
ترك برس