لم يعد الفرح يدق قلوب السوريين عند قدوم العيد مثل ما كان من قبل، فالألم يعتصر قلوبهم، هم غارقون في ألم الذكريات الموجعة، إذ يأتي العيد مثقلا بدموع الأطفال الأيتام والأمهات الثكالى. سقطت دموع أم سعيد غزيرة، بللت وجهها وهي تقرأ قصيدة شعرية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
(كل الآلام أطيقها إلا ألم فراقك لا أتحمله، كل يوم تكون معي يصبح عيدا ما أسعده، اليوم العيد وأنت بعيد عني يحوّل الحياة لدي إلى ممات، لم أشعر بشيء أشد من فراقك.. يوم العيد، وعندما أنتظرك ولا تأتي يكون مولد دمعاتي وحزني وتموت فرحة العيد في قلبي) كلمات أججت نيران الحرقة داخل نفس أم سعيد، التي لم يفارق الألم قلبها يوما، منذ خسارتها زوجها الذي استشهد يوم تحرير جسر الشغور، وبموت أصغر أبنائها علاء خمسة أشهر متأثرا بجراح بليغة إثر تعرض المدينة لقصف الطيران الروسي زاد حزنها حزنا (مازالت عيناي تراه أمامي يقفز هنا وهناك، يلعب، يمازح أخوته، يتعلق بي ويناشدني باستعطاف “جوعااان”).
تتابع حديثها مع جارتها ( دفنت كل فرحي حيث دفن، وحملت جراحي داخلي ونزحت خوفا على بقية اولادي) هي تسكن الآن في مخيمات أطمة على الحدود السورية برفقة والدها ووالدتها العجوزين، وتعمل على إعالة أولادها الثلاثة، من دخل بسيط تحصل عليه من احدى الجهات الخيرية لقاء تدريس اولاد المخيم مادة الفيزياء.
حال أم سعيد كحال الآلاف من السوريين، يحاولون ترميم ما تبقى لهم من قوة لمواجهة المزيد من الصعوبات، ربما ستفرضها عليهم ظروف الحرب القهرية، ومع اقتراب حلول العيد تتزايد عندهم الهموم والآلام أكثر (اتحلي بالصبر يا بنتي عندك غيره وهني بحاجة لتكوني قوية، شو ذنب ها لأطفال يجي العيد ويكون حرمانهن مضاعف حرمان من الأب وكمان حرمان من فرحة العيد) هدأت قليلا، ووافقت على ما قالته الجارة، هي تعلم أنها تجد في جارتها الصدر الحنون، فرغم التعاسة والشقاء اللذين تعاني منهما نتيجة بعدها عن منزلها وفقدها زوجها وولدها، إلا أن التلاحم بين الناس الذين يتشاركون أماكن اللجوء، يخفف قليلا من حدة ألمها، فهم يحاولون دائما أن يعيشوا معا كأنهم أسرة واحدة بقدر ما يستطيعون.
الغالبية من الأسر المتواجدة في المخيم اتفقوا على أن يتغاضوا قليلا عن الآمهم، وأن يعوضوا الأطفال غربتهم ولو بالقليل من البهجة والسرور احتفالا بقدوم العيد.
أم سعيد كانت من بينهم تقول: ( مهما بلغ الحزن بداخلنا لابد أن نبعد أطفالنا عن هذا الحزن، يكفيهم ما يعانون من حرمان، تشاركت مع جاراتي وقمنا بعمل بعض الحلويات، كالمعمول والكعك المالح بحسب ما توفر لنا من مواد موجودة من المعونات الإغاثية وتقاسمناها مع بقية العائلات المتواجدة حديثا لزرع الابتسامة على وجوه الأطفال بالعيد).
السوريون على يقين تام بأن ما يعانونه ما هو إلا محنة ولابد لها من الزوال (لا ينبغي لنا أن نُريَ أطفالنا الجزع واليأس، كما لا ينبغي أن نقتل في قلوبهم فرحة العيد، كما يفعل النظام في المناطق المحاصرة من سورية) كانت هذه آخر ما قالته أم سعيد لإحدى الشبكات الإعلامية، التي حاولت أن ترصد استعدادات الأهالي بقدوم العيد، فرغم عموم الأسى الذي يخيم على الأجواء السورية، مازال بداخلهم بقية أمل بعودتهم لبيوتهم، والتخلص من نيران الحرب التي أحرقت مشاعر السعادة والأمان والهدوء التي كانوا ينعمون بها.
هدى محمد- المركز الصحفي السوري