فيما تستعد المعارضة السوريّة للمشاركة في مفاوضات جنيف 4 المزمع عقدها الشهر الجاري، تسارعت وتيرة الإجتماعات على أكثر من صعيد. فبينما يجري العمل على تشكيل وفد يمثل الفصائل العسكرية والائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات تتواصل المساعي الروسية من جانب آخر لإقحام أطراف مقربة من موسكو ضمن وفد المعارضة وذلك تحت مسميات مختلفة.
وإن كان الموقف الروسي حيال الوضع في سوريا يبدو واضحاً رغم الحديث بين الحين والآخر عن تبدلات وتموضعات متمايزة عن الإيرانيين فإنه لم تتضح بعد ملامح تعاطي الإدارة الأميريكية برئاسة دونالد ترامب مع الملف السوري في المدى القريب على الأقل.
لكن وفي ظل هذه المواقف والمتغيرات رأى العميد أسعد الزعبي أن المعارضة السورية لم تتعامل بالشكل الأمثل من حيث قراءة المعطيات الجديدة على الساحة الأميركية، والتعاطي مع الإملاءات والتدخلات الخارجية.
واعتبر “الزعبي” الذي سبق وترأس وفد المعارضة إلى مؤتمر “جنيف 3” أن الذهاب إلى محادثات جنيف القادمة لا يجب أن يتم بتشكيلة تُفرض على المعارضة فرضاً.
“صدى الشام” أجرت حواراً مطولاً مع العميد “أسعد الزعبي” تناول فيه مجموعة من القضايا والموضوعات. وفيما يلي نص الحوار:
– ما هي طبيعة العلاقة بين كل من الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض والفصائل العسكرية التي حضرت مؤتمر “أستانا”؟
الهيئة العليا لا تنوب عن الائتلاف والعكس، والعلاقة بينهما ليست فقط متبادلة بل هي علاقة مصلحة ضرورية، بمعنى أن كلاً منها يكمّل الآخر، فالهيئة العليا تضم أعضاء من الائتلاف ومن هيئة التنسيق ومن الفصائل العسكرية، إلا أنها مخصصة فقط لعملية التفاوض، ولا تنوب عن الواجهة السياسية التي يمثلها الائتلاف، أي أننا نستطيع أن نعرّف الهيئة العليا بأنها منبر مشترك يضم الممثلين السياسين عن الائتلاف، والممثلين العسكريين عن الفصائل، ومستقلين.
– ما حقيقة ما يشاع عن خلافات على حصص التمثيل في الوفد الذي سيشارك في مفاوضات جنيف القادمة بين الفصائل العسكرية أو ما يسمى بـ”فصائل أستانا”، وبين الهيئة العليا للمفاوضات؟
عندما تم عقد مؤتمر الرياض في العام الماضي تم الاتفاق على أن تُمثَّل الفصائل العسكرية في الهيئة العليا بنسبة أكبر من السياسين والمستقلين، ونال الائتلاف النسبة الثانية، بينما حصلت هيئة التنسيق على النسبة الثالثة، والبقية ذهبت للمستقلين، وأعتقد أن هذا التوزيع كان عادلاً، والجميع وافق عليه.
وبالعودة إلى السؤال فيجب الإشارة أولاً إلى أني لست عضواً في الهيئة العليا، ولذلك لست مطلعاً بما فيه الكفاية على هذه الخلافات، لكن إن كانت الفصائل تطالب بتمثيل أكبر في الهيئة العليا فهذا حق طبيعي لها، لأنه من المفترض أن يكون الجسم العسكري موزاياً للجسم السياسي.
– إلى أي مدى يمكن أن تؤثر القوى الإقليمية والدولية على تشكيل المعارضة للفريق المفاوض في المفاوضات المقبلة؟
سأجيب بكل صراحة، للأسف هناك استجابة للإملاءات، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العليا، وكلامي هنا يعني الجميع، أي الائتلاف والهيئة العليا والفصائل، هناك استجابة بدون تفكير للمطالب الخارجية على حساب مصلحتنا الخاصة، وهذا ما أدى بنا إلى الانتقال من المجلس الوطني إلى الائتلاف إلى الهيئة إلى ….، أي كل ما يجري علينا من تعديلات مرده إلى أن هناك يدًا خارجية تتحكم بالتغيير.
– هل ما زال هذا الوضع قائماً إلى الآن؟ وأقصد هنا الوفد الذي سيذهب إلى مفاوضات جنيف؟
حتى أرد على هذا السؤال دعني أذكر مثالاً وهو أن الهيئة العليا للتفاوض تضم ممثلين عن منصة القاهرة، ومنصة موسكو، وهذا يعني أن خلف كل منصة دولة لها مطالب، فليست منصة القاهرة من تطالب بتوسيع الوفد المفاوض، بل القاهرة هي من تطالب بذلك، وكذلك روسيا تطالب بتوسيع الوفد، وتقول لنا بأن عليكم أن تشاركوا الأكراد، بل وصلت الوقاحة بالسيد دي ميستورا بأن يتحدث عن تشكيل وفد من دون الرجوع للهيئة العليا للمفاوضات، لقد وصلت بهم درجة الاستهتار بدماء شهدائنا إلى أن ينصّبوا رندة قسيس وقدري جميل كأوصياء على دماء الثورة السورية.
– بأي ثمن يمكن أن تقبل الهيئة العليا للمفاوضات بدخول شخصيات معارضة محسوبة على النظام؟
وفق منظوري الشخصي، ولو كنت مسؤولاً فلن أذهب إلى جنيف إلا بالوفد الذي أختاره أنا، لا يجب أن يفرض علينا أحد ما نريده نحن، فهل من المعقول على سبيل المثال أن نوافق على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المشاركة إلى جانبنا، وهم قتلوا من شعبنا إلى جانب النظام، وإذا كان هذا المنظور فلماذا إذًا لا يأتون بممثل عن تنظيم الدولة.
– هل سيشارك حزب الاتحاد الديمقراطي بالوفد المعارض، أم لا؟
أعتقد أنه لن يكون مشاركاً، ولقد شاهدنا اليوم اتفاقاً تركياً سعودياً على اعتبار الحزب بأنه حزب إرهابي.
– وماذا عن منصة “حميميم”؟
أؤكد لك تماماً بأن منصة حميميم لن تكون ممثلة بالوفد، أما عن بقية المنصات أي القاهرة وموسكو، فهاتين المنصتين بالأساس لهما أعضاء ممثلين في الهيئة العليا التي انفتحت عليهما منذ حوالي أربعة أشهر.
– هل لمستم تغيرات من الجانب الروسي، وخصوصاً بعد مؤتمر أستانا، وهل تلقيتم اتصالات من موسكو مؤخراً؟
الروس لا يريدون الهيئة العليا للتفاوض، ولقد حرصوا منذ اليوم الأول للإعلان عن الهيئة على محاربتها بشتى السبل، ولم تتوقف موسكو ليومنا هذا عن محاربتها، رغم وجود ممثلين عن منصة موسكو داخل الهيئة، لأن الأخيرة ترغب بوجود بعض الأسماء من بينهم قدري جميل.
– الروس طرحوا مسودة دستور وتم رفضها من قبل المعارضة، وعلى رأسهم الهيئة العليا للمفاوضات، السؤال هنا ما هو البديل الذي بحوزتكم عن تلك المسودة؟
لقد تقدمت المعارضة بمشروعين: الأول قبل عقد الجولة الأولى من محادثات جنيف، وكان هناك بعض الملاحظات لكن تم تلافيها في اجتماع جرى في العام الماضي، وعُمّم هذا المشروع على كل الدول الفاعلة والمؤثرة، وكل هذه الدول أعلنت دعمها وموافقتها على هذا المشروع بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، كما تحدثت الهيئة العليا عن إعادة العمل بدستور عام 1950 مؤقتاً ريثما يتم تبني الدستور الجديد.
– لقد تلقف العالم كله باهتمام بالغ التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية والذي سلط الضوء على أعداد الضحايا والإعدامات التي يمارسها النظام في سجن صيدنايا، والسؤال هنا لماذا لا تخصصون كمعارضة شخصيةً تكون ممثلِّة للمعتقلين في جلسات المفاوضات؟
خلال المفاوضات السابقة كان لدينا شخص مكلف بمتابعة وطرح هذا الملف، وكان هذا الملف دائم الحضور على أجندات المفاوضات، وكان الأجدى بمن ذهب إلى أستانا أن يشترط لذهابه إطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال على الأقل.
– هل سيدعم هذا التقرير موقف المعارضة في المفاوضات المقبلة، أم سيكون شأنه شأن التقارير الأخرى التي توثق المأساة السورية؟
أؤكد لك أن شأنه سيكون شأن التقارير الأخرى التي سبقته كحال تلك التي تتعلق باستخدام النظام للسلاح الكيماوي، وهذا التقرير سيأخذ زوبعة آنية وسينتهي مثل غيره، هم يحاولون امتصاص غضب الشعب السوري وحسب، لكن وللحقيقة لقد قصرنا نحن كمعارضة في الاستفادة من هذا التقرير، كان من الممكن الدعوة لاعتصامات ومظاهرات في مختلف عواصم العالم لتسليط الضوء أكثر على الجرائم التي يتعرض لها الشعب السوري على يد هذا النظام الفاشي.
– هل بدأت المعارضة تستشف التوجهات القادمة لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب”؟
مع الأسف لقد قصّرت المعارضة السياسية في هذا الملف، وكان من المفترض أن لا تكون قنوات التواصل مفتوحة مع المرشحة الأمريكية للرئاسة هيلاري كلينتون، بكل صراحة اليوم لا يوجد لدينا تواصل مع الإدارة الجديدة بالمطلق، مع أن الفرصة سانحة في الوقت الراهن، خصوصاً وأن هذه الإدارة ما زالت في طور التمكين.
– هل لمستم أو تبيّن لكم كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع الملف السوري؟
بغض النظر عن عدم التواصل، إلا أن تعامل ترامب مع إيران بهذه الطريقة يصب في مصلحتنا، وفق القاعدة التي تقول “عدو عدوي صديقي”.
اليوم تتحدث الإدارة الأمريكية عن تحجيم للدور الإيراني في المنطقة ما يعني إن صح ذلك أن سوريا ستكون خارج الاحتلال الإيراني، وهذا شيء ممتاز بكل المقاييس.
– ما هي دلالات قيام الولايات المتحدة بتزويد قوات سوريا الديمقراطية بعربات مدرعة للمرة الأولى، قبل حوالي أسبوع من الآن؟
تحرص الولايات المتحدة على دعم الأقليات السورية للوصول إلى سيناريو التقسيم، وهذا الدعم يدلل على استمرار الإدارة الجديدة بسياسة الإدارة السابقة.
– لطالما تحدثنا عن الدور الروسي والدور الأمريكي، اسمح لي أن أختم بالحديث عن الدور الإقليمي الداعم للثورة، وأقصد هنا الدور التركي، لا سيما وأن الأخيرة تعتبر الطرف الأبرز الداعم للثورة السورية، وسؤالي هنا إلى أي درجة هناك اطمئنان من المعارضة حيال الدور التركي، وهل تخشون تبدلاً جوهرياً في هذا الدور؟
بقناعتي الشخصية وبرأيي الخاص، أنا غير مطمئن للدور التركي لسببين: الأول للضعف السياسي الذي تبديه تركيا التي تحاول اللعب بين الكبار في مسرح وزمان غير مناسبين لذلك، والسبب الثاني باعتقادي أن تركيا تورطت بعلاقتها مع روسيا، وأيضاً لقد أخطات تركيا في تقدير الموقف، وكان دخولها العسكري متأخراً لدرجة كبيرة، إذ كان باستطاعتها أن تتدخل كما تدخلت إيران بالتسلسل، إلى أن أصبحت واقعاً على الأرض، ولو فعلت تركيا ذات الأمر لكانت الآن قوة موجودة على الأرض، ولا يستطيع أحد أن يتجاهلها.
صدى الشام