تأجل الحسم بالعملية العسكرية التركية في شمال سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية حتى وصول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى أنقرة، والتي سيجري خلالها اجتماعات تبحث الملف الأوكراني وتفريعاته، ويضم الوفد الذي يرأسه الوزير الروسي ممثلين عن وزارة الدفاع، حيث وضعت نقاط عسكرية على أجندة الاجتماعات حسب ما نقلت وكالة «تاس» الروسية، الخميس، ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو ستجري اتصالات مع أنقرة حول موضوع العملية العسكرية الجديدة التي «تعتزم أنقرة القيام بها شمالي سوريا». وطالب بعدم «وضع تكهنات حول موضوع العملية العسكرية قبل الاتصالات».وفق جريدة القدس العربي .
وقال بوغدانوف: «نحن على وشك إجراء اتصالات ومفاوضات ذات أهمية كبيرة، سوف يشارك الوزير لافروف في الاجتماعات المقبلة، سيكون هناك عنصر عسكري، فزملاؤنا من وزارة الدفاع ونظراؤهم الأتراك سيكونون حاضرين».
وفي محاولة قطع الطريق أو المقايضة، لفت الدبلوماسي المخضرم «نتفهم بأنه يجب التعامل مع الإرهابيين، يجب أن يكون لدى المرء فكرة عامة عمن يعتبر إرهابيا وأين يتم تسجيله كإرهابي، لذا علينا الانتظار».
تصعيد اردوغان
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان أن بلاده ستواصل الذهاب إلى «أوكار الإرهابيين ودفنهم» (قاصدا المقاتلين الأكراد في سوريا) الخميس في احتفال جماهيري. وفي مطلع الأسبوع، حدد مدينتي تل رفعت ومنبج هدفا لعمليته العسكرية المرتقبة، مشيرا أن بلاده تقترب من مرحلة «إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا جنوب الحدود التركية وتطهير منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين».
وفي مكالمة هاتفية، أكد الرئيس التركي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، أهمية إنشاء المنطقة الآمنة على حدود بلاده الجنوبية مع سوريا، واصفا ذلك أنه «ضرورة ملحة» وفق تفاهمات الزعيمين خلال قمة سوتشي في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.
ولفت اردوغان لبوتين «استمرار الهجمات الإرهابية» التي تشنها عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية ضد المدنيين في بلاده انطلاقا من سوريا. وأضاف مكتب الرئاسة التركية في بيان حول الاتصال أن الرئيسين «بحثا عدداً من القضايا التي تدور على الساحتين الإقليمية والدولية في مقدمتها الحرب الروسية-الأوكرانية».
وفي سياق منفصل، صرح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار بإتمام «الجهوزية الكاملة للجيش والشرطة التركية على الحدود السورية لأي عملية عسكرية جديدة» منوها إلى أن القرار النهائي للإرادة السياسية.
في مقابل ذلك، لم تعط روسيا موقفا نهائيا من عزم تركيا الشروع بعملية ضد «الوحدات» الكردية، واكتفى لافروف، قبل أيام، بالتأكيد على «نظام التهدئة» مع تفهم بلاده لمصالح ومخاوف تركيا الأمنية. وفضل الكرملين في بيانه حول اتصال الرئيسين بوتين واردوغان تجنب الحديث عن العملية العسكرية التي تلوح بها أنقرة.
ميدانيا وعسكريا، رفعت تركيا جاهزية فصائل الجيش الوطني السوري المعارض الموالي لها، وأنهت الفيالق الثلاثة تدريبات لقوات النخبة فيها، وزاد تصريح اردوغان حول تل رفعت من حماس مقاتلي «الجبهة الشامية» التي ينحدر عدد لا بأس فيه من مقاتليها من مدينة تل رفعت والبلدات المحيطة بها. وتوقع قيادي عسكري في الجيش الوطني «استكمال الاستعدادات اللوجستية خلال اليومين المقبلين» (مطلع الأسبوع المقبل). ونفى في اتصال مع «القدس العربي» معرفته بمحاور العملية العسكرية أو هدفها، منوها إلى أنه «لم يجر تحديد أي هدف ولكن أغلب الفصائل قدمت قوائم المقاتلين الذين سيشاركون بأي عملية محتملة».
وصعد الجيش التركي من حدة عمليات القصف المدفعي ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بالتزامن مع التصريحات التركية الرسمية والتعبئة الشعبية والإعلامية تحضيرا للعملية المرتقبة.
وقصفت المدفعية التركية اللواء 93 وقرى ريف عين عيسى الغربي شمالي محافظة الرقة ومناطق أخرى شرق راس العين بمحافظة الحسكة وهي المناطق المواجهة لمدينة راس العين غرب الحسكة والواقعة ضمن منطقة عملية «نبع السلام» التركية. وقصفت المدفعية قرى خربشة وتل رحال والمديونة ضمن منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، في حين ردت «قسد» على القصف واستهدفت معبر أبو الزندين الذي يسيطر عليه الجيش الوطني.
ومع التهديات التركية دفعت قوات النظام السوري بتعزيزات جديدة لها إلى محيط بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي. في حين لم يتبدل الوضع في منطقة عين عيسى أو عين العرب/ كوباني، حيث ما زالت «قسد» تسيطر عليهما ولم يدفع النظام السوري بتعزيزات إلى شرق الفرات.
واتهمت «قسد» في بيان رسمي الجيش التركي باستهداف « أكثر من 30 قرية وعشرات التجمعات السكنية تعرضت لاستهداف تركي بأكثر من 370 قذيفة مدفعية وصاروخية، فالقصف الشامل والعشوائي الذي تنفذه تركيا وصل إلى مستويات خطيرة» ولوح قائد «قسد» مظلوم عبدي إلى أن التهديدات التركية تعيق عمل التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» وملاحقة خلاياه. وهي الذرائع الأمريكية نفسها التي أطلقها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي تعليقا على التصريحات التركية، حيث اعتبر العملية التركية ستعرض سلامة الجنود الأمريكيين للخطر.
من جهة أخرى، زادت القوات الروسية من وتيرة تحركاتها بريف حلب الشمالي، ورصدت «القدس العربي» تحليق سرب من الطائرات المروحية في مناطق سيطرة «قسد» بمحاذاة منطقة النفوذ التركية، والتقط الأهالي صور المروحيات في قرية فافين والشيخ نجار وتوجهت إلى مطار كويرس العسكري.
وفي السياق نفسه، جال الطيران المروحي الروسي جنوب منطقة عمليات «نبع السلام» تحديدا فوق طريق حلب-الحسكة/ M4 بين محافظتي الرقة غربا والحسكة شرقا. وحلقت طائرتان حربيتان روسيتان في أجواء منطقتي منبج وصولا إلى تل أبيض، كما سيرت الشرطة العسكرية التركية والجيش التركي دورية عسكرية مشتركة شرق وغرب مدينة الدرباسية الغربي شمال محافظة الحسكة قرب الشريط الحدودي السوري التركي، ورافقت الدورية مروحيتان روسيتان جوا.
وفي سابقة، انطلقت دورية مشتركة بين قوات النظام و«قسد» من القامشلي إلى مدينتي الدرباسية وعامودا، ورتبت القوات الروسية في مطار القامشلي للدورية المشتركة.
ان الرفض الأمريكي والاعتراض على العملية التركية ضد «قوات سوريا الديمقراطية» سيجعل تركيا تتوجه إلى روسيا للحصول على موافقة لعمليتها العسكرية المذكورة، وبالطبع فإن إعطاء مثل هذا التفويض سيحرج موسكو وهي التي تتعرض أساسا، إلى احراج كبير على مستوى هيبتها العسكرية، وسيظهرها بانها قدمت تنازلا كبيرا لتركيا، ولكن موقع المنطقة هو ما سيخفف من ذلك الاحراج، خصوصا إذا ما كانت مربوطة بمقايضة في إدلب.
بالطبع فإن روسيا تفضل الهدوء على الجبهة السورية، كما أشار لافروف، ولا تريد ربط الملفين، السوري والأوكراني ببعضهما على كافة المستويات، والسبب الوحيد الذي يدفعها إلى ذلك هو تقليص النفوذ الأمريكي في شرق القامشلي، ولكنه، بالمقابل، سيعرض العلاقة الأمريكية التركية إلى هزة جديدة، يتجنب اردوغان حصولها، وهو الذي يسعى لكسب في سوريا يقوي موقفه وموقف حزبه في الانتخابات القريبة.
وفي تلك الاعتبارات ستفضل تركيا الحصول على صيد سهل، هو أولا خارج منطقة النفوذ الأمريكية حسب التفاهم الأمريكي الروسي، وهو ما يدعم تصريحات اردوغان حول منبج وتل رفعت، فالمنطقتان غرب النهر وهما خارج منطقة النفوذ الأمريكية.
ورغم انهما خارج المنطقة المعنية، إلا أن لكل منهما حساسية وحسابات أمنية، الوحدات الكردية تنظر إلى تل رفعت على انها بوابة الوصول إلى عفرين والتخلي عنها هو عمليا نسيان عفرين بشكل نهائي، إضافة إلى أن الميليشيات الإيرانية التي تغلق بوابة حلب الشمالية تعتبر الاقتراب إلى نبل والزهراء تهديدا مباشرا لمصالحها. وهو ما دفع طهران إلى الاعتراض على العملية العسكرية التي صرحت بها أنقرة قبل أيام.
أما منبج، فتحظى بأهمية كبيرة لدى «قسد» فهي أكبر الحواضر المأهولة بالسكان تقريبا وهي الأقل ضررا وتدميرا وهو ما جعلها وجهة لأغلب مهجري الرقة ودير الزور الذين دمرت بيوتهم في قصف «التحالف الدولي لمحاربة داعش».
وتعقد تلك الحسابات، الاندفاع التركي قليلا، الا أنها لن توقفه، في نهاية المطاف تدرك تركيا أن سياسة القضم الجزئي مفيدة، حتى لو كانت طويلة، فالحرب الأوكرانية لن تتوقف قريبا مع كل الدعم الغربي لكييف وما يقابله من إصرار بوتين على الحسم، ومن الواضح أن استمرارها يعود بمنافع كثيرة على تركيا على المدى المتوسط والقصير.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع