عملية إنهاء وجود “داعش” في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، كلّفت أكثر من 30 ألف مدني بين قتيل وجريح، غالبيتهم نساء وأطفال سقطوا خلال الأشهر الثمانية الماضية من عمر المعركة، التي انطلقت في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، فضلاً عن مئات الانتهاكات التي سجّلتها منظمات دولية ومحلية. وضع تحاول بغداد التغاضي عنه وتتجنّب إعلان الحصيلة المفزعة للضحايا المدنيين، في نفس درجة حرصها على التكتم على عدد خسائر الجيش والقوات النظامية الأخرى ومليشيات “الحشد الشعبي” التي فاقت عتبة العشرين ألف قتيل وجريح، عدا عن دمار كبير في المدينة طاول أكثر من 80 في المائة منها، وقدّرته بلدية الموصل بأكثر من 50 مليار دولار.
وقال مسؤولون عسكريون في بغداد والموصل لـ”العربي الجديد”، إن ثلاثة أحياء فقط ما زالت تحت سيطرة التنظيم، هي الشفاء وباب سنجار والمدينة القديمة، وهي الأحياء ذاتها التي يجري القتال على أطرافها منذ فجر أمس، بالتزامن مع القصف الأميركي والصاروخي الذي تنفذه قوات الجيش العراقي. ويرجح مسؤولون عراقيون وجود أكثر من 125 ألف مدني داخل أحياء الشفاء وباب سنجار والمدينة القديمة، أجبرهم التنظيم على التنقل معه أينما توجّه، في تكيتك يهدف لمنع استهداف قوافله وسياراته، أو لاستخدام هؤلاء المدنيين كدروع بشرية، وصفهم أحد ضباط الجيش العراقي بأنهم مكدسون داخل المنازل بلا حول أو قوة. وأضاف العقيد ماجد الحياني، في حديث لـ”العربي الجديد”: “نخشى أن تنتهي المعركة بمجزرة أخرى، فعدد المدنيين كبير والمساحة التي يتواجدون فيها صغيرة جداً، والتنظيم لن يستسلم ولا بوادر لذلك، حتى الآن”، مشيراً إلى أنه “لولا المدنيون لتم الإعلان عن تحرير تلك الأحياء الصغيرة في يومين فقط، لكن حجر العثرة هو عشرات الآلاف من البشر فيها”.
من جهته، قال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، العميد الركن يحيى الزبيدي، لـ”العربي الجديد”، إنه “من الناحية العسكرية باتت المدينة تحت السيطرة بشكل كامل، فالأحياء التي يتحصّن فيها داعش محاصرة، وأفراد التنظيم باتوا غير فاعلين فيها”، مؤكداً أن “المعركة باتت في فصلها الأخير بعد نحو 8 أشهر من بدايتها”. أما قائد عمليات الجيش في نينوى اللواء الركن نجم الجبوري، فرجّح في اتصال مع “العربي الجديد” أن تُحسم المعركة “خلال أيام معدودة”. وأضاف الجبوري أن “التقدّم مستمر وسط حالة تراجع لأفراد داعش، وفي حال استمر التقدّم في الأحياء الثلاثة فإن إعلان تحرير الموصل بشكل كامل سيكون خلال أيام قليلة”.
هجمات انتحارية
فعلياً فَقَد “داعش” ما أطلق عليه سابقاً “رحم الخلافة”، فمساحة 4 في المائة فقط التي يسيطر عليها في الموصل مستمرة بالتناقص، كما أن صوته الذي حرص، طيلة الأشهر الماضية، على ألا يتوقف، قد توقف فعلاً، وهو “إذاعة البيان” التي كانت تبث من داخل الموصل. وكان آخر بيان للإذاعة التقط عبر أجهزة الراديو عبارة عن تهديد ووعيد، ومما جاء فيه: “دفنونا وما علموا أننا مجرد بذور… يكفينا فخراً أن 5 آلاف جندي من جنود دولة الإسلام صمدوا ثمانية أشهر أمام جيوش خمس دول كبرى”. وبدا على البيان ركاكة التعبير بحسب مصادر محلية، وهو ما يؤكد أن القائمين على الإذاعة إما قُتلوا أو انسحبوا من مواقعهم ولم يبقَ إلا الانتحاريون وما يُعرف بالانغماسيين.
وقال النقيب في الفرقة السادسة عشرة في الجيش، هاتف حسين، إن “داعش يستخدم حالياً الانتحاريين بكثافة لإعاقة التقدّم وكذلك لإيقاع خسائر في صفوفنا”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أن “الانتحاريين على نوعين، بعضهم بأحزمة ناسفة ويخرجون من مكان لا يمكن توقعه ويقوم باحتضان الجنود وتفجير نفسه، والثاني عبارة عن سيارات مفخخة مخبأة داخل المنازل وتخرج فجأة على القوات التي تدخل الزقاق أو الشارع”، مشيراً إلى أن “سلاح القنص هو الآخر فعال لدى التنظيم، وهذه خطوط تسبق المواجهة المباشرة مع أفراد التنظيم”.
من جهته، قال عضو مجلس الموصل (الحكومة المحلية) حسام العبار، لـ”العربي الجديد”، إن التنظيم يتخذ من الأهالي في الأحياء الثلاثة دروعاً بشرية. وأضاف أن “مسألة الأهالي عقدة صعبة للغاية وفي حال تم تلافيها فإن التحرير سيكون خلال يومين لا أكثر، لكن أي إفراط بالقوة يعني مجزرة، إن لم تكن عدة مجازر”.
تحضيرات إعلان التحرير
وأكد مسؤول عراقي في بغداد لـ”العربي الجديد” بدء تحضيرات واسعة للاحتفال بتحرير الموصل، في محاولة على ما يبدو من العبادي لتجيير الإنجاز لصالحه من خلال إعلانه بيان تحرير المدينة شخصياً، على عكس البيانات الأخرى التي أعلنتها وزارة الدفاع في السنوات الماضية. وستكون التحضيرات التي ستقام في بغداد وعدد من محافظات الجنوب بالتزامن مع وصول العبادي إلى الموصل التي سيُعلن منها بيان التحرير.
ومن المقرر أن تكون أول خطوة للحكومة بعد إعلان تحرير المدينة الدعوة لمؤتمر الإعمار الذي تم الاتفاق عليه مع الجانب الكويتي ليكون بإشرافه، وفقاً لمصادر حكومية في بغداد، أكدت أن أي خطوات سياسية مع الأكراد أو القوى السنّية بشأن إقليم الموصل الذي طُرح إنشاؤه كحل بديل، أو مشروع الحكم العسكري لمحافظة نينوى، لن يُثار حالياً بسبب استمرار المعارك في الجزيرة والبعاج ومناطق غرب نينوى. ونقلت وسائل إعلام عراقية عن مسؤولين في مجلس الوزراء تأكيدهم إلغاء الحكومة نظام الدوائر الحكومية البديلة الخاصة بمحافظة نينوى، وتشكيل لجنة لمتابعة عودة تلك الدوائر فوراً إلى مدينة الموصل
.
العربي الجديد