الأسئلة الحارة التي طُرحت وتُطرح في بريطانيا عن المشاركة في حرب العام 2003 في العراق، تبدو في حقيقتها أبعد مدىً من دور رئيس الوزراء يومها طوني بلير وما إذا اتخذ آنذاك القرار الصح أم لا.
الواضح، إلاّ لمن لا يريد أن يرى، هو أن هناك قضية سابقة، لكنها تستخدم راهناً تبعاً لدوام الصلاحية وتشابه الظروف والحيثيات، وإن اختلفت الجغرافيا والأسماء، بحيث إن الكلام عن صدام حسين فيما القضية الراهنة هي بشار الأسد. والكلام عن العراق فيما القضية الراهنة هي سوريا. والكلام عن قرار الحرب ولوم طوني بلير على إعدام باقي الخيارات، فيما القضية التي تشغل الدنيا وما فيها اليوم، هي النكبة السورية والسبل الكفيلة بتخفيف تداعياتها (وليس إنهاءها!) أكانت تلك التداعيات تتعلق بالنازحين واللاجئين أم بالإرهاب.. أم ببعض النوازع الضميرية المتأتية من تفاصيل لا تني تتوالى وتدل على همجية قصوى تمارس ضد عموم السوريين على الهواء مباشرة وبرعاية يومية (وقلقة!) من إدارة مستر أوباما!
السؤال الأبرز الذي طُرح على هامش النقاش التقني لتقرير رئيس لجنة التحقيق البريطانية جون شيلكوت هو عما إذا كان قرار إسقاط صدام حسين جاء في مكانه أم أنه خطأ تاريخي.. وكأن في ذلك تعويضاً كافياً، ليس عن تداعيات ذلك الحدث الكبير، وإنما عن الأثقال التي تطرحها نكبة سوريا الحالية! وكأن المطلوب هو تقديم مرافعة جليلة عن صوابية قرار الاستنكاف الغربي، أي الأميركي السبت 9-7-2016 البريطاني (حُكماً) عن التصرف ضد بقايا سلطة الأسد، والاستمرار في لعب دور شهود الزور على واحدة من أفظع النكبات البشرية.
يمكن المجادلة إلى الأبد في قضية صدام حسين من دون أن تغيّر هذه المجادلة حرفاً واحداً في ما حصل أو تعيد الحياة إلى الموتى.. لكن عدا عن كون ذلك خاصية غربية مترفة، فهو لن يمنع نضوج افتراض مأسوي يقول إن الأميركيين والبريطانيين سيعودون بعد عشر سنوات من الآن إلى طرح السؤال العراقي لكن بالمقلوب: هل كان صواباً أم لا عدم إسقاط بشار الأسد في الوقت المناسب.. أي قبل أن يصل عدد القتلى السوريين إلى رقم المليون؟ وقبل استفحال الظاهرة الإرهابية؟ وقبل انفجار قضية اللاجئين في دول اللجوء؟ وقبل تشظي سوريا واندثار “دولتها” وكيانها الواحد؟
المستقبل