“الوضع في سورية معقد للغاية” جملة حاضرة في أذهان السوريين حالما يُذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية, هكذا تعوّد لسان “متحدثي وزارة الخارجية الأمريكية وسياسييها ودبلوماسييها” على الإدلاء والتصريح فيما يخص الأزمة السورية.
جملة مؤلفة من خمس كلمات تختزل الموقف الذي يصفه البعض بالثابت “على الأقل منذ خمس سنوات وحتى الآن” حيال الأحداث اليومية التي تجري على الأرض السورية والحرب التي يشنها النظام بلا هوادة والتي تستهدف البشر والحجر, ولكن لو تمعنا النظر أكثر وفكرنا ملياً في كلمات هذه العبارة الشهيرة, وعدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء مع إجراء مسح جغرافي ذهني لمناطق الصراعات في العالم والتي تدخّلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل مباشر حتى دون العودة للشرعية الدولية التي كانت مجرد هوامش عابرة بالنسبة لها لوجدنا:
أن الوضع في أفغانستان والعراق وليبيا لم يكن أقل تعقيداً من الوضع الراهن في سورية ومع ذلك تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية فيها عسكرياً بثورة على أنظمة الحكم من قبل الشعب أو بدونها, المهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت وجيّشت معها حلف شمال الأطلسي الذي غالباً ما تسخر طاقاته العسكرية خدمة لقراراتها, أفغانستان هي دولة متعددة الأعراق والمذاهب وهي بؤرة لتفجير صراع مذهبي وعرقي كبير إضافة لكونها محط تدخلات العديد من الدول الإقليمية القوية كإيران والباكستان الدولة النووية, ومع ذلك قرر “بوش الابن” خوض غمار الحرب فيها ولم ينظر إلى تعقيداتها الآنية والمستقبلية.
وفي غرب آسيا في منطقة الشرق الأوسط تقع دولة العراق غير البعيدة نسبياً عن أفغانستان, وتعتبر التركيبة الطائفية والإثنية في العراق معقدة للغاية, ومن المنطقي أن يؤدي العبث في أمنها إلى كارثة حقيقية تطال تبعاتها المنطقة برمتها وتتعداها إلى أجزاء واسعة من العالم, ومع ذلك شنت الإدارة ذاتها “بوش الابن” حرباً كبيرة ضد نظام الرئيس العراقي السابق “صدام حسين” أدت في محصلتها إلى استفادة الدولة المحورية ذات المشروع الطائفي “إيران” من نتائجها وهي من المفترض أن تكون العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ولم نسمع حينها أن الوضع في العراق معقد للغاية.
أما في شمال إفريقيا وبعد اندلاع الثورة في ليبيا لم تتوانَ الولايات المتحدة الأمريكية عن تجييش أساطيل حلف الناتو وطائراته الحربية, وتدخلت بشكل مباشر بحجة أن نظام القذافي سيقوم بمجازر كبيرة بحق أبناء ليبيا ما لا يتم إيقافه عند حده, ولم تنوه الولايات المتحدة إلى فكرة التعقيد في ليبيا والتي تعلم الولايات المتحدة مسبقا بنية بعض الأقاليم في ليبيا المطالبة بالفيدرالية أو الاستقلال عن الوطن الأم “ليبيا”, وتحويل الساحة الليبية إلى ميدان صراع طويل الأمد قد يمهّد لنشوء الحاضنة المعادية لأمريكا والعالم “الإرهاب” كما تدعي الولايات المتحدة في سورية.
والحقيقة الدامغة, هي أن الحجة الأمريكية غير مقنعة, لأنها تعلم يقيناً أن بيئة الحروب واحدة ونتائجها متشابهة وإن اختلفت أحيانا في مستواها, وبما أنها لم تنظر إلى فرضية تعقيد الحرب في تلك الدول, فمن باب أولى أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه التدخل العسكري في سورية لإنقاذ أرواح الشعب السوري من أبشع مذبحة تجري في العصر الحديث هذا إن كانت صادقة, مع العلم أن نتائج الحرب السورية ستكون حتمية على المنطقة بوجود باب التدخلات الروسية والإيرانية المفتوح على مصراعيه.
إذن عبارة “الوضع في سورية معقد للغاية” هي حجة تقيمها الولايات المتحدة على السوريين (لغاية في نفس يعقوب), وقد تكون معقدة فعلاً لأنها هي من أرادتها أن تكون كذلك!
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود