الأطفال هم زينة الحياة وهم رمز البراءة والعطاء، إلا أن موجة العنف التي تعصف بسورية منذ قرابة الخمس سنوات دمرت أحلام أطفالها، ومست بعمق نفسياتهم إن كان عبر إشراكهم بالقتال أو عبر تأثرهم بالمشاهد على أرض الواقع، فانعكس العنف على تصرفاتهم وسلوكهم وتحولت ألعابهم من مسلية إلى خطر يهدد حياتهم .
ولم يعد غريبا رؤية صور لأطفال من نعومة أظافرهم يحملون السلاح أو يقفون على الحواجز، فرجولة أطفال سورية جاءتهم مبكرة، وأسباب عدة دفعتهم لحمل السلاح و مجاراة الكبار ، فقد كبروا صغارا وزاد همهم، أبو يزن طفل لم يتجاوز السابعة عشر عاما، يقول :” إن أحد الأسباب التي دفعتني لحمل السلاح كان عدم وجود أماكن شاغرة ضمن المدارس الموجودة في الغوطة الشرقية، إضافة إلى دافع عاطفي بعد استشهاد كل من ابن عمي وصديقي في إحدى غارات الطيران الحربي على مدينة عربين”.
ويضيف أبو يزن في حديثه:” قررت حمل السلاح والانضمام إلى أحد الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية ، عندما كانت المعارك شديدة على أطراف مدينة عربين, ورغم اعتراض عائلتي على الموضوع إلا أنني قررت الذهاب إلى الجبهة، فلست صغيرا فأنا قادر على حمل السلاح والدفاع عن أهلي وأرضي”، و يقول بكل إصرار، مؤكدا أن حمل السلاح زاد من جرأته وعدم خوفه من القصف والحرب بعد انضمامه إلى صفوف الثوار .
فقد انخرط مئات الأطفال في النزاع المسلح بسوريا، بسبب عدم حصولهم على أبسط حقوقهم كحق الحياة والتعليم، أبو سالم مقاتل من حي القابون يبلغ من العمر 16 عاما يقول:” دماء إخوتي وأصدقائي وكل من استشهد حتى الآن ليست أغلى من دمائنا، أنا لا أحب السلاح وأتمنى أن أتخلص منه الآن ، لكن من واجبي اليوم الدفاع عن أهلي وعن بلدي وكل ما أحلم به اليوم أن تنتهي الحرب كي أعود لدراستي التي تركها منذ أكثر من عامين، وإلى عائلتي التي اشتاق لرؤيتها كثيرا.”
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فكثر هم الأطفال الذين لم يتسن لهم حمل السلاح، باتت لعبة السلاح من أكثر ألعابهم، تسمع من أطفال يلعبون في الأزقة أو على المفارق ويختلف الأمر بين الأماكن الهادئة, حيث تكون مجرد تمثيليات بدون أدوات وبين الأماكن الساخنة، حيث تكون أدوات اللعب طلقات فارغة في أحسن الأحوال، ولكن لا شيء يعلو على صراخ الأطفال المتحاربين الذين ينقسمون في لعبتهم عادة إلى فريقين يتقّدم كل منهما قائد ومساعده.
يروي أحد المواطنين مايحدث في حيه : “أصبح أولاد الحارة ينقسمون إلى فريقين فريق يمثل” النظام” وفريق يمثل “الجيش الحر” وطبعا تكون الحواجز أساسية في لعبتهم وتبدأ المعركة يهجمون على بعضهم ويتشاجرون ويمثلون إطلاق الرصاص بأيديهم وأصواتهم أو بفوارغ الرصاصات إن وجدت على الأرض حولهم, وهذا الأمر إن اصطلحنا تسميته ألعاباً غير مناسبة لأعمارهم ويعكس تشويهاً كبيراً لشخصياتهم , فهم كمن يتقمص شخصيات الكبار في الحرب من حولهم .
مما لا ريب فيه أن أول رموز السلام هم الأطفال وأن السلاح من أبرز رموز العنف وتؤكد العديد من الدراسات أن الطفل لا يملك الرغبة في حمل السلاح لخوفه منه لعدم معرفته كيفية استخدامه ولكن عند استيعاب طريقة عمله وإدراك قيمته وتأثيره تولد الرغبة وتتلاشى الرهبة.
هؤلاء هم أطفال بلد دمرت طفولته، و للأسف انشغلوا بالتفكير بالموت بدلا من التفكير بالحياة، ومن أصعب آثار الحروب تدمير براءة الطفل لأن ذلك يعني تدمير مستقبل بلاد بكاملها .
سالم البصيص _ المركز الصحفي السوري