سلامة كيلة – العربي الجديد
حدثت الضربة العسكرية الأميركية البريطانية الفرنسية ضد مواقع للنظام في سوريةتتعلق بالأسلحة الكيميائية، سواء بالبحوث أو التصنيع أو التخزين، أو المطارات التي خرجت منها الطائرات التي ألقت صواريخها المحملة بالأسلحة الكيميائية، فقد أصرَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولحقته رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، وكذلك لحقه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على “معاقبة” النظام لاستخدامه الأسلحة الكيميائية. انتهت الضربة، واُعلن أنها استهدفت السلاح الكيميائي، حيث إن هذه الدول لا تريد تغيير النظام، ولا التدخل في “الحرب الأهلية”، وحتى لا تريد إضعاف النظام عبر تدمير ما تبقى من قدراته العسكرية (سلاح الطيران).
شهدنا في دمشق الرقص والفرح، وإعلان الانتصار، على الرغم من أن المواقع التي ضُربت بدت مدمرة. وكان النظام، كذلك روسيا، قد أعلنا عن إسقاط عدد من الصواريخ التي أُطلقت، من دون الاتفاق على عددها. بالتالي ظهر أن السلاح الروسي القديم يستطيع إسقاط صواريخ من نوع كروز، ربما هذا يفيد روسيا لتصدير هذا السلاح، ما دامت سورية باتت سوق استعراض للسلاح الروسي، لكن هذا ما قدّمه النظام لمشايعيه لكي يقول إنه انتصر، وأن يسمح لهم بالفرح والرقص. وكما حدث بعد ذلك، حيث أعلن التلفزيون السوري إسقاط ستة صواريخ أُطلقت على مطار الشعيرات، ثم تبين أنه لم تكن هناك صواريخ حسب ما أعلن النظام ذاته. وبالتالي سيكون الإسقاط السابق نتيجة التوهم ذاته، لكن في وضعٍ كانت هناك صواريخ كروز تدك بعض مواقعه.
بغض النظر عن هذه الجزئية، فإن الرقص والفرح وإعلان الانتصار ستكون “أموراً طبيعية”، ليس لأنه قد تم إسقاط صواريخ، فهذه هي ملهاة، أو وسيلةُ تلهٍ للمشايعين، بل لأن النظام وتابعيه فهموا أن هذه الدول التي قامت بـ “العدوان الثلاثي” لا تريد تغيير النظام كما فعلت في العراق، وحتى لا تريد تدمير طائراته التي تقصف بالكيميائي، ولا زالت تقصف الشعب كل يوم. وهذا جيد بالنسبة له ولهم، لأنه يعني أن هذه الدول تُطلق يده في قتل الشعب السوري، وهي بالأساس لا تستهدفه، فلا تريد تغييره عبر القوة التي خاف منها. هذا يستحق الفرح والرقص وإعلان الانتصار، بالضبط لأن النظام باقٍ ومشرَّع له قتل الشعب السوري، ليس فقط من إيران وروسيا وعصاباتهما، بل من هذه الدول التي قامت بـ “العدوان الثلاثي” لكي تُعلن انتصاره على شعبه.
سمحت هذه الدول للنظام بأن ينقل طائراته إلى مناطق آمنة، كما فعلت أميركا حينما قصفت مطار الشعيرات، ولم تتعرّض للمطارات إلا التي يُعتقد أن فيها سلاحا كيميائيا. وهي بذلك أبقت قوة القتل التي يستخدمها، وظهر أنها حريصةٌ على ذلك. ويعني هذا الأمر أنها لا زالت تريد من النظام أن يقتل أكثر، وأن يدمر أكثر. لهذا قال وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، إن “الحرب في سورية ستستمر”. بالتالي، كانت الضربة الصاروخية تتعلق بأسباب أخرى، تمثلت في “رفع الإحراج” عن ترامب الذي لا يريد أن يكون مثل سلفه باراك أوباما بإعلانه خطوطا حمرا ثم عدم الالتزام بها. لهذا قصف مطار الشعيرات قبل عام، وكان لا بدّ له أن يقصف الآن بعد استخدام الكيميائي في دوما. كما أنه يريد إظهار أنه المقرّر في سورية وليس روسيا، وهذا في إطار “المكاسرة” بينهما، حيث ترى أميركا أن روسيا “تتنمَّر”.
ما هو مهم هنا أن أميركا بالتحديد حريصةٌ على استمرار النظام، وعلى استمرار قصفه وتدميره وقتله، لأنه يقوم بما كانت تريد أن تقوم به هي، أي أنه ينفذ إرادتها هي. وهذا يعني أن أميركا لم تكن بحاجةٍ، من هذه الزاوية، لقصف النظام، ما دام يفعل ذلك، لكنه أحرجها باستخدامه السلاح الكيميائي. لهذا ضربته من دون أن تضعفه.
بالتالي، كل حديث عن فبركة تتعلق باستخدام السلاح الكيميائي لا معنى له. لقد فعلها النظام.