بيروت- ريا شرتوني: لا يزال تمثال المغترب اللبناني في بلدية جبيل بمحافظة جبل لبنان، شاهدا على اتساع قاعدة شتات بلد عربي ميال للهجرة جبرا أو طواعية.
لبنان بلد ملايين المهاجرين في مختلف قارات وأصقاع العالم، يتجرع أوجاعا اقتصادية طاحنة تزيد شتاته ورغبة شبابه في الهجرة.
وخلال الأشهر الماضية، شهدت عدة سفارات أجنبية في لبنان، أبرزها الكندية، وقفات احتجاجية من قبل شباب لبنانيّين للمطالبة بفتح أبوابها للهجرة.
ويرجح مراقبون أن تشهد الأيام الأولى لعودة حركة الطيران بعد توقف دام أكثر من 3 أشهر بسبب تفشي جائحة كورونا، موجات كبيرة من هجرة اللبنانيين إلى خارج بلادهم.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، وارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
تحت وطأة تلك الأزمة اندلعت احتجاجات شعبية واسعة، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، للمطالبة بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية.
وسط أجواء مشحونة، يتطلع آلاف اللبنانيين إلى الهجرة هربا من أوضاع اقتصادية ومعيشية متدنية، وفق خبراء للأناضول.
**مؤشرات
وأقر الباحث في الشركة الدوليّة للمعلومات (غير حكومية)، محمد شمس الدين للأناضول، بوجود رغبة كبيرة بين قطاعات واسعة من الشباب اللبناني في الهجرة خارج بلادهم.
فيما أوضح شمس الدين أن الأرقام الدقيقة حيال تلك الظاهرة غير متوفرة، لا سيما في ظل إغلاق السفارات الأجنبية في لبنان طوال الأشهر الماضية بسبب تفشي فيروس كورونا.
بمؤشر أكثر وضوحا، أكد رئيس حركة الأرض (غير حكومية) طلال دويهي، أنّ عدد اللبنانيّين الحاملين لجوازات سفر أجنبيّة، لكنّهم يقيمون حاليا في البلاد، يتراوح بين 40 و45 ألف نسمة.
وأوضح أن هؤلاء اللبنانيين يسعون للسفر إلى الخارج بمجرد عودة حركة الطيران، غير أنهم يواجهون حاليا مشكلة في سحب ودائعهم من المصارف اللبنانيّة بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وتابع دويهي للأناضول: أعددنا إحصاء غير رسمي بشأن الراغبين في الهجرة، إذ كشف رغبة نحو 84 ألف لبناني في الهجرة وسيكون هذا العدد مرشح للزيادة حال اصطحاب ذويهم.
وفيما يتعلق بطلبات الهجرة في الوقت الراهن، أوضح: “هناك 23 ألف لبناني يطلب الهجرة إلى كلّ من أستراليا وكندا لكنّ من حصل على موافقة بلغ 3 آلاف فحسب”.
ومضى قائلا: “الرغبة في الهجرة خارج لبنان تتزايد لكنّ آليّة توافرها ليست ميسّرة في الوقت الراهن، لأنّ هناك من أمواله لا تزال محجوزة في المصارف الوطنية”.
ووفق ترجيح الدويهي فإن “إعادة فتح السفارات الأجنبية وحركة الطيران، سيؤدي إلى مغادرة 200 إلى 300 ألف لبناني من البلاد خلال أشهر قليلة”.
بدوره قال وسام نمر (40 عامًا) للأناضول: “أيّ مواطن لبناني أمّنوا له تذكرة الطيران سيغادر فورا، ولو اضطر للعمل كشحاذ”.
فيما أوضح محمد كلش (27 عامًا): ” نحن نفكر في الهجرة خصوصًا الذين تخرجوا في الجامعات. الوضع المعيشي خارج البلاد سيكون أفضل للشباب”.
وفسر سليمان علوش (50 عامًا) السبب قائلا: “عندما تفتح السفارات الأجنبية أبوابها فإن الجميع سيفكرون في الهجرة، خصوصًا عندما يصبح الراتب الشهري يوازي 100 دولار”.
وطالب شارل ديب (33 عامًا): “الدول الأجنبيّة أن تفتح سفاراتها في لبنان لهجرة الشباب وتقديم تسهيلات لأنّهم ليس بمقدورهم شراء تذكرة السفر”.
فيما لفت رينيه سويدان (67 عامًا) إلى أنّ “90 بالمئة من مهاجري لبنان لا يفكرون في العودة إلى بلادهم نهائيا بسبب الأوضاع التي تشهدها البلاد”.
وقالت زينة الحلو (40 عامًا): “أيّ دولة في العالم ستعامل اللبنانيين بإنسانية أكثر من هنا (في إشارة إلى لبنان). هذا ما يشعرني بالأسف”.
وبدوره أكّد فراس حلبي (29 عامًا): “أهلي وأصدقائي ينتظرون إعادة فتح المطار للمغادرة من دون رجعة. الوضع جد لا يحتمل”.
ومرارا حذّر باحثون لبنانيون من تداعيات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد، على موجات هجرة الشباب والتي قد تهدد بدورها المستقبل الاقتصادي والاجتماعي في البلد الذي يضم داخله نحو 4 ملايين ويعيش خارجه قرابة 16 مليونًا.
نقلا عن القدس العربي