الذي يعرف يعرف؛ والذي لايعرف يقول كف عدس.. مثلٌ تناقله السوريون، جيلاً بعد جيل، محاولين اختصار أحاديثهم ومعاناتهم به، لكن القصة لن تنتهي به، فالذي جرى أكبر وأثقل من أن يختصر؛ فكل يوم نفيق على واقعٍ ينسف معه كل آمالنا وأحلامنا، حتى أنك خسرت طاقتك الإبداعية برسم مستقبلٍ، تصفه لأبنائك، لأنهم لن يسمعوا ولن يعوا ولن يسمحوا لأنفسهم أن يصدقوا حكايات الغد المشرق، بعد هذا الحاضر الأسود.
حتى أصحاب المبادئ الراقية، والتي تطفح رائحة إنسانيتهم عبر صور وآراء قدموها، يستفيقون على أحداث جديدة، تضعهم هذه المرة أمام خياراتهم الصعبة؛ فإما أن يتابعوا طريق الإنسانية الذي استقله قطار أفكارهم. وبذلك، هم قد يفتقدوا كل المصفقين لهم في محطات ذلك القطار؛ أو أنهم ينزلون على سلم الإنسانية درجاتٍ ليقفوا موقف المتفرج الصامت إزاء أحداثٍ تشيب لها الولدان.
ولم يعد باستطاعة المثقف أن يقنع الآخرين بموقف حيادي، بل على هؤلاء الآخرين أن يقتنعوا بشفافية حياده. اليوم وبعد خمس سنين من القهر والظلم وانقلاب الموازين، بات محتماً عليك أن تأخذ موقفاً واضحاً، فالصمت ليس سيد الأحكام، وليس علامة الرضا في الوقت نفسه. لذلك، لا تحرقوا أفكاركم الإنسانية بالصمت المفاجئ.
عليك أن تنطق بما يجول في خاطرك، وأن تدرك أن رأيك المعلن سيرحمك من تأويلاتٍ برع السوريون، في الفترة الأخيرة، بالتغني بها، بل تجاوزوا، بمقدرتهم التأويلية، كبار المتخصصين بالفكر التأويلي. لذلك، وجب التنويه، عزيزي المثقف، فإما أن تبدي رأيك في كل القضايا معاً، أو أن تصمت دائماً، أو أن تهيئ نفسك لفأس الاتهامات التي لا تبقي ولا تذر.
يسرى السعيد
العربي الجديد