في الاجتماع الأخير الذي عقد لمجموعة دول أصدقاء سوريا في باريس، بتاريخ 9 مايو الماضي لمناقشة الوضع السوري، قام وزير خارجيّة إحدى الدول المشاركة في الاجتماع المغلق بطرح تساؤلات توحي بوجود صفقة أميركية مع روسيا إزاء الوضع السوري، فرد وزير الخارجية الأميركية بالقول «علينا أن نثق ببعضنا البعض»، نافيا وجود اتفاق سري مع روسيا، ومؤكدا على أنّ كل ما جرى هو مناقشات ثنائية تمخض عنها البيان الأميركي- الروسي، طالباً من الدول المشاركة الالتزام بما خرج به البيان.
بعد أسبوع واحدٍ فقط على هذه الواقعة، وخلال الإجتماع الذي عقد في فيينا للمجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG)، أثير نفس الموضوع من جديد، فما كان من جون كيري إلا أن قال في الاجتماع «يتساءل كثيرون عن سبب زياراتي لموسكو وإذا ما كان هناك صفقة خلف الكواليس، أجيبهم بالنفي».
ما يجذب الانتباه في هذين الاجتماعين هو الهاجس الموجود عند حلفاء أميركا من وجود صفقة خلف الكواليس بين إدارتي أوباما وبوتين حول سوريا. في الحالات العادية كان يمكن للنفي الأميركي أن ينهي الجدل، على الأقل من الناحية النظريّة، لكن من الناحية العملية لم يحصل مثل هذا الأمر؛ لأنّ هذه الإدارة لا تتمتّع بالمصداقيّة على الإطلاق، ولذلك فإن تعليقاتها لا تحمل أي مدلول سياسي حقيقي.
من هذا المنطلق، من الممكن تفهّم مخاوف حلفاء أميركا الإقليميين، وهي مخاوف أكثر من مبررة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تاريخ هذه الإدارة المليء بالخداع والغش والغدر، وآخر إرهاصاته الصفقة النووية مع إيران، وهي الصفقة التي بدأت بشكل سري قبل أن تصبح علنيّة فيما بعد.
بعد حوالي أسبوعين فقط من تعليق كيري الذي قال فيه إنّ «علينا أن نثق ببعضنا البعض»، قامت الإدارة الأميركية بالغدر بالحكومة التركية، عندما أرسلت قواتها الخاصة للقتال مع الميليشيات الكردية، التي تعتبرها تركيا ميليشيات إرهابية. لم تكتف إدارة أوباما بذلك فقط، بل أمّنت الغطاء الجوي لميليشيات الحشد الشعبي الطائفية الموالية لإيران في العراق، ضاربة بعرض الحائط أي تحفّظات تركية أو سعودية حول هذا التوجه، ومتجاهلة تماما مصالح كل منهما.
حلفاء الولايات المتّحدة على حق عندما يتساءلون عن حقيقة وجود صفقة ما بين إدارتي أوباما وبوتين حول سوريا، لكنّهم مخطئون عندما يقف تساؤلهم عند حدود الشك ولا يتعداه إلى ما هو أبعد، من يدير المشهد اليوم هو روسيا، ليس لأنّ الولايات المتّحدة غير قادرة على فعل شيء، وليس لأنّها لا تريد فعل شيء فقط، بل لأنّها قررت أنّه من الأفضل أن يتم تسليم الملف السوري منذ البداية إلى إيران ومن بعدها روسيا.
لا يجب أن يكون هناك أدنى شك لدى أي أحد في أنّ الصفقة مع روسيا قد تمّت بالفعل، وما أرادته روسيا وتريده يتحقق منذ فيينا-1 والتدخل العسكري في سوريا وحتى اليوم. لم تعترض واشنطن على أي شيء بتاتا، كل ما في الأمر إذا كان التصرف الروسي محرجا يخرج كيري ليلقي ببعض التصريحات التي لا تتمتع بأي مصداقية، كما أثبتت الإدارة الأميركية مرارا وتكرارا على مدى أكثر من 5 سنوات.;
العرب القطرية – علي حسين باكير