أعلن الجيش الأذربيجاني السيطرة على سبعة قرى بالإضافة إلى مرتفعات استراتيجية في إقليم “كارباخ” المحتل من قبل أرمينيا، وذلك إثر هجوم نفذه الجيش الأذربيجاني في الـ 27 من أيلول رداً على قصف الجيش الأرمني للأراضي الأذربيجانية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأذربيجانية “أنار إيفانوف” أنه تمت السيطرة على قرى وهي: كاراهانبيلي – غرفند – غراديز – عبد الرحمنلي – بيوك – مرجانلي – نوزغار، بالإضافة إلى المرتفعات المحيطة بقرية “تاليش”.
واستخدم الجيش الأذربيجاني في هجومه طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار”، وطائرات استطلاع “عنقاء” تركية الصنع، بالإضافة إلى وجود مؤشرات على تقديم خبراء عسكريين أتراك المساعدة للجيش الأذربيجاني على الصعيد المعلوماتي والخططي.
وأعلن وزير الدفاع التركي “خلوصي آكار” يوم أمس الإثنين وقوف بلاده إلى جانب أذربيجان في الدفاع عن وحدة أراضيها، وطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضي الأذربيجانية التي احتلتها سابقاً.
دول القوقاز وأهميتها لروسيا
تاريخياً فإن دول القوقاز الثلاثة (أذربيجان – جورجيا – أرمينيا) كانت ضمن جمهورية الاتحاد السوفياتي، وبعد انهيار الاتحاد بقيت روسيا الاتحادية تنظر إلى هذه الدول على أنها من ضمن مجالها الحيوي، حيث يطلق على هذه الدول مصطلح “دول الطوق”.
ومنذ تسعينات القرن الماضي حرصت روسيا على ألا يكون للجمهوريات الثلاث استقلالية في السياسة الخارجية، وذلك لاعتبارات أمنية تتعلق بقرب هذه الدول من الحدود الروسية وخشية موسكو من تغلغل النفوذ الغربي إلى حدودها الجنوبية الغربية، بالإضافة إلى حرص روسيا على عدم تحول تلك الدول وخاصة أذربيجان الواقعة على بحر قزوين الغني بالثروات إلى منافس لموسكو على السوق الأوروبية.
وتمتلك روسيا قاعدة عسكرية استراتيجية مهمة قرب العاصمة الأرمينية “بريفان”، مزودة بطائرات حربية من الجيل الرابع، بالإضافة إلى وجود معاهدة دفاع مشترك بين البلدين وعقود في مجال التسليح وزيادة المقدرات الدفاعية لأرمينيا، حيث استفادت روسيا من العامل الديني الحاضر في الدولة الأرمينية، إذ تعتبر المسيحية الديانة الرسمية في أرمينيا.
دول القوقاز وفق الرؤية التركية
تتبنى تركيا استراتيجية تقوم على التحول إلى منصة مهمة لتصدير الطاقة وخاصة الغاز إلى السوق الأوروبية، ولذلك تعمل بشكل دائم على تنويع مصادر الطاقة وتدشين مشاريع متعددة لمد أنابيب الغاز إلى الأراضي التركية، ثم بيع الكمية الأكبر إلى أوروبا.
قدمت تركيا نفسها لدول القوقاز وخاصة “أذربيجان” على أنها عقدة وصل مهمة بين مصادر الطاقة والسوق الصناعية الأوروبية، حيث استفادت أنقرة من الرابط القومي والعرقي مع أذربيجان، إذ يعتبر سكان أذربيجان من الأصول التركية، وقد استطاعت أنقرة بالتعاون مع أذربيجان وجورجيا تدشين أنبوب نقل النفط باكو – تبليسي – جهان، الذي تبلغ استطاعته نقل مليون برميل يومياً.
وأسفر التقارب الأذربيجاني -التركي عن تدشين خط غاز “تاناب” الذي ينقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا عبر الأراضي الجورجية، بقدرة تصل إلى 16 مليار متر مكعب سنوياً، 10 مليارات منها من المفترض أن يتم تصديره إلى أوروبا.
وأسهمت تركيا في تأسيس خط سكة حديد “باكو – تبليس – قارص عام 2017، ليكون الخط بمثابة جسر بري يربط قارتي آسيا بأوروبا.
الضغط على تركيا في أذربيجان
في شهر حزيران/ يونيو عام 2020 وعلى غير المعتاد في التصعيد بين أرمينيا وأذربيجان الذي يتركز قرب إقليم “كارباخ” عادة، فقد امتدت الاشتباكات إلى منطقة “توفوز” المحاذية لمرور خط “القوقاز” القسم الأول من خطوط “تاناب” الغازية التي تنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا، ليعطي هذا التطور مؤشراً على وجود جهات دولية مستفيدة من التصعيد، أبعد من الطرفين المباشرين في الصراع المستمر منذ عام 1991.
تقارير أذربيجانية عديدة تحدثت عن هبوط طائرات شحن عسكرية روسية في القاعدة القريبة من “بريفان” عاصمة أرمينيا عشية التصعيد الأخير في شهر أيلول/ سبتمبر، الأمر الذي كرس الدور الروسي بشكل أكبر في عودة التوتر إلى إقليم “كارباخ”، كما أن شحنات سلاح عديدة وصلت من طهران إلى أرمينيا عبر معبر “نوردوز” البري.
هذا الاصطفاف الروسي – الإيراني إلى جانب أرمينيا يعتبر منسجماً مع الصراع القديم بين دول بحر قزوين على ترسيم الحدود البحرية، ويهدف إلى التهديد المستمر لاستقرار أذربيجان وجعلها بلداً غير آمن في نظر مستوردي الطاقة والمستثمرين، لكنه في جزء منه أيضاً يستهدف المصالح التركية بشكل واضح ويهدف لتأطير النشاط التركي ضمن حدود معينة ومنعها من الاستفادة من الثروات الأذربيجانية التي أكسبتها موقفاً قوياً في مواجهة كل من موسكو وطهران.
مكاسب تركيا من حسم الصراع وفق رؤيتها
تطالب تركيا بانسحاب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية التي احتلتها سابقاً، وتقدر بـ 20% من إجمالي مساحة أذربيجان، وتتركز العمليات العسكرية الحالية على استعادة جزء من تلك الأراضي.
وتتركز العمليات الأذربيجانية المدعومة تركياً في الوقت الحالي على استعادة أجزاء من إقليم “كارباخ”، وفي حال استطاعت أنقرة دعم أذربيجان لحسم الصراع الممتد مع أرمينيا منذ عقود، فسيشكل هذا تعزيزاً للحضور التركي في دول القوقاز، وبالتالي ستمتلك أنقرة ورقة ضغط مهمة ضد روسيا.
وقد يتيح تنامي النفوذ الإيراني في دول القوقاز التأثير بشكل أوسع في دول آسيا الوسطى ذات الأهمية البالغة بالنسبة لروسيا.
بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في آواخر عام 2015 على يد الجيش التركي، استخدمت روسيا أوراق ضغط عديدة على أنقرة لتغيير موقفها في سوريا، وأبرز هذه الأوراق مشروع السيل التركي وإمدادات السوق التركية بالغاز الروسي، التي كانت تغطي 53% من احتياجات تركيا في ذلك الوقت، لكن مع مرور الزمن أصبحت أذربيجان بديلاً مهماً لتركيا في مجال الغاز الطبيعي، مما مكن أنقرة من تخفيض وارداتها من الغاز الروسي إلى حدود 15 مليار متر مكعب عام 2019 في أدنى منسوب له منذ عام 2004، مع توقعات بأن تنخفض الكمية مع حلول عام 2021 إلى قرابة 8 مليارات متر مكعب.
فوز تركيا بالصراع الأذربيجاني – الأرميني سيجعل روسيا تحت تهديد تكرار النموذج ذاته في دول أخرى في آسيا الوسطى ينتمي سكانها إلى العرق التركي وخاصة تركمانستان، وهذا بطبيعة الحال سيكون له تداعيات أمنية واقتصادية على روسيا.
في ظل هذا المشهد والمعطيات التي سبق ذكرها، يبدو من نافلة القول بأن اكتساب تركيا لأوراق مهمة في مواجهة روسيا في المجال الحيوي للأخيرة سيقوي موقف أنقرة التفاوضي في ملفات المنطقة وعلى رأسها الملفين السوري والليبي.
نقلا عن تلفزيون سوريا