فيما يتجه الهولنديون الأربعاء المقبل إلى صناديق الاقتراع، لإجراء انتخابات برلمانية، يُنظر إليها كمؤشر لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في أوروبا، حيث تتركز الأنظار على الزعيم اليميني المتطرف، المناهض للإسلام، خيرت فيلدرز، تستعد تركيا الشهر القادم لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية تقضي بتحويل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي بزعامة رجب طيب أردوغان.
وفي مساعي الطرفين للفوز في الانتخابات، وجد كل منهما ما يخيف به الآخر داخل بلده.
الباحث السياسي الهولندي كاس مادل، في لقاء مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية قال إن تفسير الأزمة الهولندية – التركية التي بدأت نهاية الأسبوع الماضي، واضح جداً، فكلا البلدين يخوضان حملات انتخابية يهمين عليها إحياء سياسات الهوية الوطنية كما هو في تركيا وبالتضاد مع المهاجرين كما هي الحال في هولندا.
وبدأت هذه الدراما بعد منع اثنين من الوزراء الأتراك من حضور فعاليات انتخابية في هولندا.
مفتاح التعديل
فأصوات الجالية التركية التي تعيش في شمال أوروبا، قد تكون مفتاح حل للتعديل الذي يدعو إليه أردوغان، وكان من المقرر أن يقيم الموالون له حملات انتخابية واسعة في مختلف الدول الأوروبية. وبررت هولندا منع هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أمستردام يوم السبت، بقلقها من المسيرات التي تجري مع اقتراب يوم الانتخابات في البلاد.
وعندما سافرت وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية التركية، بتول سايان كايا، بالسيارة من ألمانيا إلى روتردام الهولندية، تم إيقافها ومنعها من دخول القنصلية التركية في المدينة وسط حشود الأتراك المؤيدين حول مبنى القنصلية. وعقب ذلك، قامت الشرطة الهولندية بإبعاد الوزيرة التركية إلى الحدود الألمانية، لتعود إلى بلادها على متن طائرة خاصة.
أثارت الأحداث الأخيرة في روتردام الغضب في كلا البلدين.
فسخر فيلدرز، زعيم الحزب اليميني المعادي للإسلام، من المتظاهرين ضد هولندا. وغرّد على “تويتر”: “يرى الهولنديون أن هؤلاء (المتظاهرين) هم أتراك وليسوا هولنديين، لديهم جوازات سفر هولندية، لكنهم لا ينتمون لهذا البلد”.
كما سخر من الوزيرة التركية في تغريدة أخرى قائلاً: “اذهبي بعيداً ولا تعودي مجدداً، وخذي معك كل جماهيرك التركية من هولندا من فضلك”.
في المقابل، أدان المسؤولون الأتراك إجراءات الحكومة الهولندية واصفين إياها بـ”الفاشية”.
واعتبروا أن رئيس الوزراء الهولندي مارك روت، وهو سياسي من حزب اليمين الوسط، انحاز للتعصب وبات مستسلماً لخطاب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز.
وبرزت أوجه التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي خلال العامين الماضيين، لا سيما فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين، ودعم أوروبا للانفصاليين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة “إرهابيين”.
وخلال مناظراته السابقة، دأب أردوغان بشكل روتيني، على تغذية الشعور بالظلم إزاء ما يسميه النفاق والتدخل الغربي.
وقال الأحد خلال تجمع حاشد في مدينة إسطنبول، “الغرب خلع قناعه في الأيام الماضية(..) ما شهدناه هو دليل واضح على الخوف من الإسلام. كنت أعتقد أن النازية قد انتهت، ولكني كنت مخطئاً، النازية على قيد الحياة في الغرب”.
وكان أردوغان قد وجّه الاتهامات ذاتها إلى ألمانيا، عندما قررت سلطاتها منع التجمعات التركية في بلادها.
تصاعد الخلاف
كما كان للمتحدث باسم أردوغان، إبراهيم كالين، رد مباشراً على تغريدات فيلدرز، حيث قال: “إن الخلاف قد تصاعد إلى أبعد من ذلك، ووعد المسؤولون الأتراك بالانتقام، وبالتالي سيُمنع السفير الهولندي في أنقرة، وهو في إجازة حالياً، من العودة”.
وجاء في رسالة إلكترونية صدرت من وزارة الخارجية التركية، “أعلمنا نظراءنا الهولنديين أن الإجراءات الخطيرة التي اتخذتها السلطات الهولندية ضد تركيا، والجالية التركية هناك، سيكون لها عواقب وخيمة على كافة الصعد الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وغيرها”.
وكان عدد من المتظاهرين المؤيدين لأردوغان، قد تجمهروا في قضاء إزميت التركي، وقاموا بعصر حبات من البرتقال وشربها، كتعبير عن غضبهم.
ويعود أصل الأسرة الهولندية الحاكمة إلى عائلة أورانيا ناساو، فيما تعني كلمة أورانيا: البرتقالي باللغة الإنجليزية.
ويحب الهولنديون فاكهة البرتقال بشدة ويقومون بعمل مهرجان لها يتم فيه عرض نماذج مصنوعة من البرتقال والليمون، بأشكال جميلة وتماثل الواقع.
وعلّق رئيس الوزراء الهولندي مارك روته قائلاً: “كانت أشبه بنهاية فيلم سيئة الأتراك أوصلوا الأمر لهذا الحد بأنفسهم”.
واتخذ روته قبل أيام من الانتخابات، موقفاً أكثر تشدداً بشأن الهجرة، مؤكداً أنه على المسلمين الهولنديين بذل جهدهم للاندماج في المجتمع الهولندي.
ونشر في هذا السياق إعلانا طويلاً في الصحف، يحذر فيها المهاجرين “إما أن يكونوا طبيعيين أو يغادروا”.
وينظر المعارضون إلى عملية تغيير النظام البرلماني التركي، كخطوة خطيرة لانهيار معايير وأسس الديمقراطية تحت مرأى ومسمع أردوغان.
ومع ذلك، لا يوجد ضمان على أن معسكر أردوغان “نعم” سيفوز، وفق استطلاعات الرأي التي تتوقع خروج معارضين للرئيس التركي.
وبالتالي، فإن أردوغان يرسم قواعد اللعبة لكسب الأصوات.
وقد قام زعيم الحزب اليميني المتطرف الأسبوع الماضي بتنظيم مظاهرة خارج السفارة التركية في مدينة هاج، رفضاً لزيارة وزير الخارجية التركي، حيث وقف أمام لافتة كتب عليها: “ابق بعيداً.. هذا بلدنا”.
ويقول الكاتب التركي في صحيفة الصباح المؤيدة لأردوغان: “عندما يُشجع المجتمع على كراهية المسلمين، سيبدأ ببغض الجميع في النهاية، وسيكون هناك المزيد من القيود والجدران”.
ويضيف “هذا سيجلب نهاية للاتحاد الذي قضى الأوروبيون عقوداً في بنائه وإنشائه (..) هذا الاستنتاج سيكون أشبه بالموسيقى لآذان فيدلرز ومؤيديه من اليمين المتطرف”.
المصدر:هافينغتون بوست عربي