اهتمت غالبية الصحف الأميركية والبريطانية بمحادثات جنيف حول سوريا، وكان معظمها يميل إلى القول إنه لا يُتوقع لهذه المحادثات أن تسفر عن شيء رغم ما يتعرض له الشعب السوري من مأساة هي الأشد في التاريخ الحديث.
وقالت هذه الصحف إن ممثلي المعارضة رفضوا المجيء إلى جنيف إلا بعد فك الحصار عن البلدات المحاصرة من قبل النظام وعددها 15 بلدة ووقف القصف، والإفراج عن المعتقلين السياسيين. لكن وفي وقت متأخر الليلة الماضية شعرت اللجنة العليا للمعارضة، وهي مظلة تضم مجموعة من الفصائل، بضرورة الذهاب إلى جنيف للتحدث على الأقل حول كيفية وقف الحرب بدلا من المقاطعة.
وأوضحت أنه وبعد مقتل 250 ألف شخص ولجوء حوالي خمسة ملايين من البلاد ونزوح نصف السكان من منازلهم، واتهامات بأبشع جرائم الحرب، لا يزال السوريون بعيدين حتى عن مجرد الموافقة على البحث في تخفيف بعض المآسي الإنسانية التي تنتهك قوانين الحروب.
ضآلة التوقعات
وقالت نيويورك تايمز إن الدبلوماسيين أعربوا عن أملهم في أن تصل أطراف المحادثات إلى اتفاق بشأن أمور لا يجب أن تكون أصلا محل نقاش وهي توصيل الطعام والأدوية للعالقين خلف خطوط القتال الأمامية وفك الحصار عن البلدات المحاصرة ووقف القصف، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، لأن ذلك يوجبه القانون الدولي والقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولمعرفة إلى أي حد أصبحت توقعات المراقبين ضئيلة بشأن هذه المحادثات، فإنهم يقولون إنه لو تم التوصل لاتفاق لرفع الحصار عن البلدات المحاصرة فسيكون ذلك انتصارا يجب الإشادة به.
ونقلت نيويورك تايمز عن المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا قوله عندما سأله الصحفيون عما إذا كان قد حصل على وعد من النظام السوري وروسيا لرفع الحصار، قال إنه يجب على الصحفيين إعطاء المحادثات فرصة لتبدأ وكأنه يريد تأكيد أن هذه المحادثات لن ينتج عنها شيء قريب من التسوية السياسية، مشيرا إلى أنها ليست عن السياسة وحدها، وإنما “نريدها أن تكون حول دليل ما عن تحسن من أجل الشعب السوري”.
الخوف من أميركا
وقالت وول ستريت جورنال إن ممثلي المعارضة وافقوا على المجيء لجنيف، لكنهم قالوا إنهم لن يتباحثوا فورا مع النظام خوفا من أن تكون الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على خطة لإنهاء الصراع بشكل لا يرضي المعارضة.
ووفقا لدبلوماسيين غربيين وأعضاء في هذه المعارضة، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين الذين يدعمون المعارضة ماليا وسياسيا ضغطوا بقوة عليها وعلى السعودية وتركيا للحضور من غير شروط مسبقة.
أما لوس أنجلوس تايمز الأميركية فقد قالت إن هذه المحادثات متعثرة للغاية، وإنه ليس من المعروف حتى الآن من الذي تسلم دعوة للمشاركة من المعارضة السورية المنقسمة وإن الأمم المتحدة لم تكشف بعد عن قائمة المدعوين.
تمكين الأسد
وقالت غارديان البريطانية في افتتاحية لها إن التعامل مع هذه المحادثات بشكل خاطئ لن يؤدي إلى السلام وربما ينتهي بها إلى تعزيز تنظيم الدولة، وإن الهدف المعلن لها بعيد المنال. ودعت إلى التركيز على المأساة الإنسانية، قائلة يبدو أن الولايات المتحدة والدول الغربية قدمت تنازلات لروسيا وإيران مكنت الأسد من الاستمرار في ضرب المدنيين.
وأضافت غارديان بأنه من السهل الضغط على المعارضة، لكن الضغط الضروري يجب أن يُمارس على داعمي الأسد في موسكو وطهران، وأن تمكين الأسد من أن تكون له اليد العليا لن يفعل شيئا غير تعزيز ما يقوله تنظيم الدولة عن أنه الوحيد القادر على الدفاع عن المسلمين السُنة.
ووصفت تايمز البريطانية هذه المحادثات بأنها محادثات سلام وهمي، ودعت إلى التركيز على وقف لإطلاق النار في عدة مناطق بالبلاد وإنهاء الحصار الوحشي للنظام ضد المدن والبلدات التي توجد بها المعارضة.
وقالت فايننشال تايمز البريطانية إن الانقسامات وعدم الثقة أعاق محادثات جنيف، وإن الدفع القوي من وزير الخارجية الأميركية جون كيري ومن دي ميستورا لعقد المحادثات بأسرع وقت ممكن تسبب في انقسامات وعدم ثقة وسط أطراف المعارضة، في وقت تحتاج فيه هذه الأطراف لزخم لفرض صفقة على الأرض.
ونقلت عن ممثلي المعارضة قولهم إنهم يعيشون بين فكي الرحى ويتعرضون للانتقاد والهجوم من المطالبين بالذهاب لجنيف لمحاولة الحصول على إغاثة للذين يعانون ظروفا لا تُطاق، ومن المطالبين بالمقاطعة الذين يقولون بعدم الذهاب حتى يتم إنهاء العنف والحصار.