قبل أيام بدأ نزول المطر في بلاد الشام ومن ضمنها سوريا، قد يكون هذا حدثا طبيعيا في الحالات الاعتيادية، بل ربما يفرح الناس بهذه المناسبة ويباركون لبعضهم بالغيث، ويغمرهم نوع من الارتياح والسرور، استبشارا بخيرات السماء وبالبركة والنفع، وربما يثير في نفوسهم كبارا وصغارا ذكريات جميلة عن فصل الشتاء كالاستماع إلى موسيقى هطل الأمطار واللعب بالثلج.
لكن هذه الحال بالنسبة للسوريين ولكل المشتغلين في الهمّ الإنساني في السنوات الأخيرة غالبا ما هي مختلفة، فقدوم الشتاء يعني خوفا وتوجسا، ومزيدا من المعاناة بسبب البرد وزمهرير العواصف وما يصاحب ذلك، وانتشار الأمراض والخشية من تكرار صور موت الأطفال والشيوخ، بسبب التجمد ونقص التدفئة خصوصا لدى النازحين واللاجئين.
الشتاء على الأبواب إذن.. ويجتمع على السوريين في هذا الموسم أكثر من أمر في آن واحد، الأول: فقدان الأمل بحلّ وشيك ينهي معاناتهم، لتقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجبه الأخلاقي، والثاني: الغزو العسكري الروسي المباشر، وبالتالي ارتفاع معدلات النزوح واللجوء، واتجاه الأوضاع لمزيد من التعقيد والصعوبات، ومضاعفة عدد المتضررين، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، والآثار السلبية المترتبة عليها، والثالث: موسم الشتاء الوشيك، والذي يتوقع أن يكون أشد برودة وقسوة من سابقه بحسب توقعات الأرصاد الجوية.
وإزاء هذا الواقع المأساوي المؤلم لم يعد كافيا أن يبقى العالم متفرجا على هذه الأزمة التي اعتبرت أسوا أزمة في عصرنا الحديث، أو يتأثر وينشط آنيا وقت العواصف والثلوج ثم يغمض عينيه طوال العام.. لابد أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية ويبحث عن معالجات شاملة وجذرية على مستويين: الأول البحث عن حل سياسي لهذه الأزمة، وإلا فإن شرر نارها سيصل إلى أوربا وأبعد من أوربا، والآخر: وضع رؤية متكاملة لمواجهة متطلبات الاستجابة الإنسانية للأزمة، من خلال تبني نهج يعزز التعاون والتنسيق، وتوحيد الرؤى وتبادل المعلومات، خصوصا بين المنظمات الإنسانية الدولية والعربية والإقليمية والمحلية والسورية.
لقد سرني أن تتبنى إحدى المنظمات الإنسانية القطرية مؤتمرا يعقد في الدوحة حول الأزمة الإنسانية السورية بمشاركة مجموعة مهمّة من الفاعلين في هذا الشأن عبر العالم، بهدف الإسهام في صياغة رؤية موحدة للتدخل الإنساني الموجه للنازحين واللاجئين السوريين، والعمل على مزيد من التنسيق والشراكة والتشبيك فيما بينها، والتركيز على المشاريع التنموية، وتوفير فرص تمكين اقتصادي، للمتضررين بقدر المستطاع، ليكون بمقدورهم التعايش مع الأزمة.
ولعل هذا ليس مستغربا على دولة قطر التي عرفت عربيا ودوليا بمبادراتها الدبلوماسية الرامية إلى حل النزاعات وإقرار السلم الاجتماعي والوقوف إلى جانب الشعوب التي تعاني من الظلم والفقر، وسرعة إغاثة المتضررين بسبب الكوارث الطبيعية والحروب، كما حصل في دارفور بالسودان وغزة ولبنان وإندونيسيا والصومال واليمن.. وهذا الأمر لا يقتصر على الجانب الحكومي، فقط بل يتكامل ويتناغم معه الجهد غير الحكومي من خلال جهود المؤسسات الإنسانية والخيرية التي قدمت ولا تزال الكثير للشعب السوري، ويكفي أن نشير إلى أن إحدى هذه المنظمات (جمعية قطر الخيرية) احتلت المركز الأول عالميا، على مستوى المنظمات الإنسانية غير الحكومية NGOs، في إغاثة السوريين، وفقا لتقرير التتبع المالي للمساعدات الإغاثية الدولية، “FTS” ، التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، “أوتشا” عام 2014.
استعداد المنظمات الإنسانية لفصل الشتاء خصوصا إن كان قبل حلوله بفترة كافية مهم وضروري دونما شك، لأنه يسهم في تخفيف من المعاناة التي يواجهها المتضررون من أبناء الشعب السوري، ومواجهة الآثار المتوقعة .
الشرق القطرية