صفت أكياس بلاستيكية بداخلها ملابس وبعض المتعلقات القليلة على امتداد جدران كنيسة يلفها البرد الشديد ذات أضواء خافتة في مالمو بالسويد، حيث انضم 20 لاجئا من سوريا وأفغانستان إلى نحو 30 متسولا من طائفة الروما بحثا عن مكان يؤويهم خلال الليل.
ويستخدم هؤلاء ما يتلقونه من تبرعات أهل الخير من أبسطة وبطاطين كأسرة للنوم ويتجمعون بالقرب من أجهزة التدفئة الكهربائية أو على مقاعد الكنيسة.
هذا هو واقع بعض من يصلون سعيا لبدء حياة جديدة في السويد التي جعلت من نفسها «قوة إنسانية عظمى» حيث تخطى العدد القياسي من طالبي اللجوء الذين وصلوا إليها قدرتها على استيعابهم.
وقال سوري في أواخر العشرينيات اسمه طارق إنه أنفق نحو ثلاثة آلاف دولار على رحلته التي استغرقت ثلاثة أسابيع إلى السويد. وما زالت زوجته وطفلاه في سوريا حتى الآن.
وأضاف: «السويد شديدة البرودة. وهذا ما لم أتوقعه لكنني سعيد بوجودي هنا على أي حال».
وقد استقبلت السويد منذ بداية العام الجاري نحو 145 ألفا من طالبي اللجوء أي أكثر من أي دولة أوروبية أخرى على أساس نسبة اللاجئين لعدد السكان جذبهم إليها سخاء القواعد التي تنظم عملية اللجوء إليها وكذلك ثروتها وما تتمتع به من استقرار وسمعة العدالة الاجتماعية.
وفي الغالب يستقبل اللاجئون استقبالا حسنا، لكن السويد شهدت أيضا موجة من الاعتداءات بإشعال الحرائق في مراكز اللجوء. وقتل رجل يلوح بسيف شخصين في جريمة عنصرية في أكتوبر في مدرسة مخصصة للمهاجرين في جنوب غرب السويد.
من ناحية أخرى زادت شعبية الحزب السويدي الديمقراطي المناهض للمهاجرين في استطلاعات الرأي إلى نحو %20 في حين اتجهت الأحزاب الرئيسية لتضييق الخناق على الهجرة.
وبعد أن فتحت حكومة يسار الوسط الأبواب لطالبي اللجوء في البداية بدأت تطبق قيودا حدودية وخططا لإصدار تصاريح إقامة مؤقتة، وذلك لوقف طوفان اللاجئين وإرغام الدول الأوروبية الأخرى على المشاركة في تحمل العبء.
وتراجع رئيس الوزراء ستيفان لوفن عن موقفه بالكامل بعد أن كان يقول في سبتمبر إن أوروبا التي يعرفها «لا تبني أسوارا». فقال في أواخر نوفمبر: «لقد ظللنا نستقبل أعدادا كبيرة لفترة طويلة. ونحتاج للتوقف لالتقاط الأنفاس».
وحتى الآن استطاعت السويد أن تأوي الأغلبية العظمى من المهاجرين وأصبحت أحوالهم أفضل من أهلهم الذين تركهم كثيرون في بلادهم الأصلية. لكن السلطات اضطرت لاتخاذ إجراءات صعبة مثل استخدام الخيام والكنائس لإيواء اللاجئين.
ومع ذلك اضطر بعض اللاجئين من الصغار للنوم في ظروف شتوية قاسية.
وتوزع إيفا بلومدل الشماسة بكنيسة سانت يوهانس في مالمو -المفتوحة الآن خلال الليل لتوفير المأوى للاجئين- القهوة وبطاقات مترجمة بالمعلومات عن الحمامات والمراحيض.
وتقول وهي تشير إلى الأرضية الحجرية للكنيسة: «بالنسبة لهم كانت السويد أرضا موعودة والآن يجدون هذا».
وحذرت منظمة إنقاذ الطفولة الخيرية هذا الأسبوع من الأوضاع البائسة في مركز كبير للمؤتمرات في مالمو يقيم فيه عدد يصل إلى ألف من طالبي اللجوء لحين تسجيل طلباتهم. وقالت إن الأطفال المرضى ينامون على الأرض مباشرة ولا يلقون الرعاية الطبية الكافية أو حتى يستحمون بما يكفي.
وهذا الأسبوع ألحقت عاصفة شتوية أضرارا بنصف الخيام الستة عشر التي أقامتها وكالة الهجرة في مخيم مؤقت في جنوب السويد فيما يؤكد التحديات التي يفرضها شتاء شمال أوروبا.
وتأخرت إقامة المخيمات بسبب البيروقراطية إذ إن القواعد الصارمة التي تتعلق بالتخطيط والسلامة من الحرائق تعني أن أغلب الخيام المزمع إقامتها لن تصبح جاهزة قبل ستة أشهر.
وقد انخفض عدد اللاجئين القادمين أسبوعيا إلى السويد منذ تطبيق أول قيود حدودية واسعة النطاق منذ أكثر من عقدين من الزمان في الشهر الماضي. لكن رئيس الوزراء قال إن من الضروري اتخاذ مزيد من التدابير لوقف سيل اللاجئين.
ويخشى كثير من اللاجئين الآن ألا يسمح لهم باستقدام عائلاتهم بمجرد حصولهم على حق اللجوء بعد أن قالت الحكومة الأسبوع الماضي إنها ستعمل على تشديد القواعد.
وقال السوري طارق: «إذا لم تستطع أسرتي المجيء فقد ضاعت هذه الرحلة سدى. وسيتعين علي العودة. لا أستطيع أن أتركهم في سوريا».
رويترز